كل منهما بنفس ما يتعلق به فيتكاذبان، و أما إذا كانتا تقييديتين: فلا يقع التعارض بينهما، و يدخلان حينئذ في مسألة الاجتماع مع المندوحة، و في باب التزاحم مع عدم المندوحة».
و نحن نقول في الحيثيتين التقييديتين: إذا كان بين الدلالتين تكاذب من أجل دلالتهما الالتزامية على نفي الحكم الآخر على نحو ما فصلناه: فإن التعارض بينهما لا محالة واقع، و لا تصل النوبة في هذا المورد للدخول في مسألة الاجتماع.
و لنا مناقشة معه في صورة الحيثية التعليلية يطول شرحها، و لا يهم التعرض لها الآن، و فيما ذكرناه الكفاية و فوق الكفاية للطالب المبتدئ.
الحق في المسألة
بعد ما قدمنا من توضيح تحرير النزاع و بيان موضع النزاع نقول: إن الحق في المسألة هو: (الجواز).
و قد ذهب إلى ذلك جمع من المحققين المتأخرين:
و (سندنا) يبتني على توضيح و اختيار ثلاثة أمور مترتبة:
(أوّلا): إن متعلق التكليف سواء كان أمرا أو نهيا ليس هو المعنون، أي: الفرد الخارجي للعنوان بما له من الوجود الخارجي، فإنه يستحيل ذلك، بل متعلق التكليف دائما و أبدا هو العنوان، على ما سيأتي توضيحه.
و اعتبر ذلك بالشوق، فإن الشوق يستحيل أن يتعلق بالمعنون؛ لأنه أما أن يتعلق به (1) حال عدمه أو حال وجوده، و كل منهما لا يكون، أما الأوّل: فيلزم تقوّم الموجود بالمعدوم و تحقق المعدوم بما هو معدوم؛ لأن المشتاق إليه له من التحقق بالشوق إليه و هو محال واضح، و أما الثّاني: فلأنه يكون الاشتياق إليه تحصيلا للحاصل و هو محال.
فإذا: لا يتعقل الشوق بالمعنون لا حال وجوده و لا حال عدمه (2).
(1) أي: بالمعنون.
(2) و بعبارة أوضح نقول: الشوق لا بدّ له من متعلق و هذا المتعلق لا يمكن أن يكون معدوما؛ و إلا للزم تقوّم الشوق الذي هو أمر وجودي بأمر عدمي، و لا يمكن أن يكون موجودا و إلا للزم تحصيل الحاصل، و عليه: فلا يتعلق الشوق بالمعنون بل يتعلق بالعنوان.