و لو كان المراد من النهي هو طلب الترك- كما ظنوا- لما كان معنى لنزاعهم في الضد العام، فإن النهي عنه معناه- على حسب ظنهم- طلب ترك ترك المأمور به. و لما كان نفي النفي إثباتا فيرجع معنى النهي عن الضد العام إلى معنى طلب فعل المأمور به، فيكون قولهم: «الأمر بالشيء يقتضي النهي عن ضده العام» تبديلا للفظ بلفظ آخر بمعناه، و يكون عبارة أخرى عن القول «بأن الأمر بالشيء يقتضي نفسه». و ما أشد سخف مثل هذا البحث (1).
و لعله لأجل هذا التوهم- أي: توهم أن النهي معناه طلب الترك- ذهب بعضهم إلى عينية الأمر بالشيء للنهي عن الضد العام.
*** و بعد بيان هذه الأمور الثّلاثة في تحرير محل النزاع يتضح موضع النزاع و كيفيته.
إن النزاع معناه يكون: إنه إذا تعلق أمر بشيء هل أنه لا بد أن يتعلق نهي المولى بضده العام أو الخاص؟ فالنزاع يكون في ثبوت النهي المولوي عن الضد بعد فرض ثبوت الأمر بالشيء. و بعد فرض ثبوت النهي فهناك نزاع آخر في كيفية إثبات ذلك.
و على كل حال: فإن مسألتنا- كما قلنا- تنحل إلى مسألتين إحداهما: في الضد العام، و الثّانية: في الضد الخاص، فينبغي البحث عنهما في بابين:
1- الضد العام:
لم يكن اختلافهم في الضد العام من جهة أصل الاقتضاء و عدمه، فإن الظاهر:
أنهم متفقون على الاقتضاء و إنما اختلافهم في كيفيته:
فقيل: أنه على نحو العينية أي: أن الأمر بالشيء عين النهي عن ضده العام، فيدل عليه حينئذ بالدلالة المطابقية.
و قيل: أنه على نحو الجزئية فيدل عليه بالدلالة التضمنية، باعتبار أن الوجوب ينحل إلى طلب الشيء مع المنع من الترك، فيكون المنع من الترك جزء تحليليا في
(1) و بعبارة أوضح: إذا قلنا: بأن المراد من النهي هو طلب الترك سوف تصير العبارة هكذا هل الأمر بالصلاة يقتضي النهي عن ترك الصلاة ... إلى هل الأمر بالصلاة يقتضي ترك الصلاة؟ و نحن قلنا: بأن نفي النفي إثبات، حينئذ: سوف تؤول إلى معنى آخر، و هو: هل الأمر بالصلاة يقتضي الأمر بها أم لا؟
و لا إشكال في اقتضائها، و على هذا أقول لا معنى للنزاع في الضد العام.