إن كل متشرع يعلم أنه ما من فعل من أفعال الإنسان الاختيارية إلا و له حكم في الشريعة الإسلامية المقدسة من وجوب أو حرمة، أو نحوهما من الأحكام الخمسة.
و يعلم أيضا: إن تلك الأحكام ليست كلها معلومة لكل أحد بالعلم الضروري؛ بل يحتاج أكثرها لإثباتها إلى إعمال النظر و إقامة الدليل، أي: إنها من العلوم النظرية (1).
و علم الأصول هو العلم الوحيد المدوّن للاستعانة به على الاستدلال على إثبات الأحكام الشرعية، ففائدته إذا: الاستعانة على الاستدلال للأحكام من أدلتها (2).
موضوعات هذه المسائل الذي صار فاعلا في المسألة الأولى، و مفعولا في الثّانية، و مضافا إليه في الثالثة؟
ذلك الشيء المتّحد معها هو «الكلمة». فالكلمة شيء كلي متّحد مع الفاعل و المفعول و المضاف إليه؛ فالكلمة موضوع لعلم النحو.
و في الجملة أقول: إن موضوع كل علم هو: ذلك الأمر الكلي الذي يتّحد مع موضوعات مسائله اتحادا خارجيا لا اتحادا مفهوميا، فمثلا في علم النحو نقول: الفاعل مرفوع و المفعول منصوب و المضاف إليه مجرور. فموضوع المسألة الأولى هو الفاعل، و موضوع المسألة الثّانية المفعول، و موضوع المسألة الثّالثة المضاف إليه، و الجامع الكلي الذي يجمع هذه الموضوعات هي الكلمة، فهي إذا: ذلك الشيء الذي يتّحد مع موضوعات المسائل، هو موضوع علم النحو؛ لأنه متّحد مع موضوعات المسائل اتحادا خارجيا، ففي الخارج الفاعل هو نفس الكلمة؛ لأن كل فاعل كلمة. و إن كان بينهما مغايرة في المفهوم، مغايرة الطبيعي مع أفراده و مغايرة الكلي مع مصاديقه، كالإنسان مع زيد فاتحادهما خارجي، لأن زيد الخارجي هو إنسان، و لكن بينهما تغاير في عالم المفهوم، فإن مفهوم الإنسان يغاير زيدا.
كذلك في الفاعل و الكلمة.
(1) ما المراد من العلم الضروري و النظري؟ هذان مصطلحان منطقيان يراد بهما كالتالي:
1- العلم الضروري: يسمى في المنطق بالبديهي و هو ما لا يحتاج في حصوله إلى كسب و نظر و فكر، فيحصل بالبداهة التي هي المفاجأة و الارتجال من دون توقف، كتصورنا لمفهوم الوجود و العدم، و مفهوم الشيء، و كتصديقنا بأن الكل أعظم من الجزء، و بأن النقيضين لا يجتمعان، و بأن الشمس طالعة، و أن الواحد نصف الاثنين و هكذا.
2- العلم النظري: و هو ما يحتاج حصوله إلى كسب و نظر و فكر، كتصورنا لحقيقة الروح و الكهرباء، و كتصديقنا بأن الأرض ساكنة أو متحركة حول نفسها و حول الشمس و يسمى أيضا (الكسبي) [1].
(2) الكتاب و السنة و الإجماع و العقل.
[1] مصدر العلم النظري و الضروري: منطق المظفر، ص 19.