صدر هذا المقصد عن المراد بالملازمة العقلية. و لا وجه لجعلها من باب مباحث الألفاظ لأن ذلك ليس من شئون الدلالة اللفظية.
و علينا أن نعقد البحث في مقامين: (الأوّل): في إجزاء المأمور به بالأمر الاضطراري. (الثّاني): في إجزاء المأمور به بالأمر الظاهري.
المقام الأوّل- الأمر الاضطراري
وردت في الشريعة المطهرة أوامر لا تحصى، تختص بحال الضروريات و تعذر امتثال الأوامر الأولى، أو بحال الحرج في امتثالها، مثل: التيمم و وضوء الجبيرة و غسلها و صلاة العاجز عن القيام أو القعود، و صلاة الغريق.
و لا شك في: أن الاضطرار ترتفع به فعلية التكليف، لأن الله تعالى لا يكلف نفسا إلا وسعها. و قد ورد في الحديث النبوي المشهور الصحيح «رفع على أمتي ما اضطروا إليه».
غير أن الشارع المقدس- حرصا على بعض العبادات لا سيما الصلاة التي لا تترك بحال- أمر عباده بالاستعاضة (1) عما اضطروا إلى تركه بالإتيان ببدل عنه؛ فأمر- مثلا- بالتيمم بدلا عن الوضوء أو الغسل، و قد جاء في الحديث: «يكفيك عشر سنين». و أمر بالمسح على الجبيرة بدلا عن غسل بشرة العضو في الوضوء و الغسل.
و أمر بالصلاة من جلوس بدلا عن الصلاة من قيام ... و هكذا فيما لا يحصى من الأوامر الواردة في حال اضطرار المكلف و عجزه عن امتثال الأمر الأولي الاختياري، أو في حال الحرج في امتثاله.
و لا شك في: أن هذه الأوامر الاضطرارية هي أوامر واقعية حقيقية ذات مصالح ملزمة كالأوامر الأولية. و قد تسمى (الأوامر الثّانوية) تنبيها على أنها واردة لحالات طارئة ثانوية على المكلف، و إذا امتثلها المكلف أدى ما عليه في هذا الحال و سقط عنه التكليف بها (2).
و لكن يقع البحث و التساؤل فيما لو ارتفعت تلك الحالة الاضطرارية الثانوية،
(1) أي: التعويض.
(2) أي: سقط عن المكلف التكليف بالأمر الثّانوي، و هذا معنى أنّه يجزئ عن أمر نفسه.