و هكذا نقول في حسن الأشياء و جمالها بمعنى الملاءمة، و الشيء الواقعي فيها ما هو منشأ الملاءمة في الأشياء كالطعم و الرائحة و نحوهما، الذي هو كالصفة في الجسم إذ تكون منشأ لانعكاس أطياف الضوء.
كما أن نفس اللذة و الألم أيضا أمران واقعيان و لكن ليسا هما الحسن و القبح اللذان هما من صفات الأشياء، و اللذة و الألم من صفات النفس المدركة للحسن و القبح.
2- و أما (الحسن بمعنى: ما ينبغي أن يفعل عند العقل) (1) فكذلك ليس له واقعية إلا إدراك العقلاء، أو فقل: تطابق آراء العقلاء، و الكلام فيه كالكلام في الحسن بمعنى الملاءمة. و سيأتي تفصيل معنى تطابق العقلاء على المدح و الذم أو إدراك العقل للحسن و القبح.
و على هذا: فإن كان غرض الأشاعرة من إنكار الحسن و القبح إنكار واقعيتهما بهذا المعنى من الواقعية فهو صحيح. و لكن هذا بعيد عن أقوالهم لأنه لما كانوا يقولون بحسن الأفعال و قبحها- بعد حكم الشارع- فإنه يعلم منه إنه ليس غرضهم ذلك لأن حكم الشارع لا يجعل لهما واقعية و خارجية (2).
كيف؟ و قد رتبوا على ذلك بأن وجوب المعرفة و الطاعة (3) ليس بعقلي بل شرعي. و إن كان غرضهم إنكار إدراك العقل- كما هو الظاهر من أقوالهم- فسيأتي تحقيق الحق فيه و إنهم ليسوا على صواب في ذلك.
3- العقل العملي و النظري:
إن المراد من العقل- إذ يقولون: أن العقل يحكم بحسن الشيء أو قبحه بالمعنى
(1) يعني: كون الحسن ممّا ينبغي أن يفعل عند العقل، و القبح ممّا ينبغي أن يترك، و كونهما داخلين في باب المشهورات، و أنّهما عقليان تابعان لما تطابقت عليه آراء العقلاء، و لا واقعية لهما إلا إدراك العقلاء، و هذا تبعا لأستاذه المحقق الأصفهاني، و قد أشكل عليه: بأنّه لو كان من باب المشهورات لكان الإنسان لم يتأدّب بما ينبغي أن لا يدرك حسنها و قبحها، مع إنّه لا إشكال أنّه يدرك حسن العدل و قبح الظلم حتى لو لم يتأدّب بها.
(2) لأنّ حكم الشارع صرف اعتبار لا يغير من الواقع من شيء.