غافل و جاد غير هازل عند الشك في ذلك (1)، كذلك يحملونه على أنه في مقام البيان و التفهيم، لا في مقام الإهمال و الإبهام.
*** و إذا تمت هذه المقدمات الثّلاث: فإن الكلام المجرد عن القيد يكون ظاهرا في الإطلاق، و كاشفا عن أن المتكلم لا يريد المقيد، و إلا لو كان قد أراده واقعا، لكان عليه البيان، و المفروض: أنه حكيم ملتفت جاد غير هازل، و هو في مقام البيان، و لا مانع من التقييد حسب الفرض. و إذا لم يبين و لم يقيد كلامه فيعلم أنه أراد الإطلاق و إلا لكان مخلا بغرضه.
فاتضح من ذلك: أن كل كلام صالح للتقييد و لم يقيده المتكلم مع كونه حكيما ملتفتا جادا و في مقام البيان و التفهيم، فإنه يكون ظاهرا في الإطلاق و يكون حجة على المتكلم و السامع.
تنبيهان:
القدر المتيقن في مقام التخاطب:
(الأوّل): أن الشّيخ المحقق صاحب الكفاية (قدس سره) أضاف إلى مقدمات الحكمة مقدمة أخرى غير ما تقدم، و هي ألا يكون هناك قدر متيقن في مقام التخاطب و المحاورة، و إن كان لا يضر وجود القدر المتيقن خارجا في التمسك بالإطلاق (2). و مرجع ذلك: إلى أن وجود القدر المتيقن في مقام المحاورة يكون بمنزلة القرينة اللفظية على التقييد، فلا ينعقد للفظ ظهور في الإطلاق مع فرض وجوده (3).
و لتوضيح البحث نقول: إن كون المتكلم في مقام البيان يتصور على نحوين:
1- أن يكون المتكلم في صدد تمام موضوع حكمه، بأن يكون غرض المتكلم
(1) قد يقال من قوله: «ملتفت غير غافل، و جاد غير هازل عند الشّك» إشارة إلى مقدمة رابعة و هي أن يكون المتكلم ملتفتا و جادا. أقول: بل هي مطوية، و مندرجة في كونه في مقام البيان.
(2) يريد أن يقول المصنّف: إن القدر المتيقن على نحوين:
الأوّل: هو ما كان قدرا متيقنا في مقام التخاطب، أي: مفهوما من نفس اللفظ.
الثّاني: هو ما كان قدرا متيقنا في الخارج، و الذي يمنع عن التمسّك بالإطلاق هو الأوّل دون الثّاني.
(3) أي: في مقام المحاورة، و التخاطب يفهم منها خصوص القدر المتيقن، و هذا بمنزلة القرينة اللفظية على التقييد مثلا: لو قال: أن العلماء العدول هم أركان الدين، ثم قال: يجب إكرام العالم. فالقدر المتيقن هو خصوص العالم العادل، و هذا في قوة القرينة اللفظية.