إن الخاص و العام من ناحية تأريخ صدورهما لا يخلوان من خمس حالات، فإما أن يكونا معلومي التأريخ، أو مجهولي التأريخ، أو أحدهما مجهولا و الآخر معلوما.
هذه ثلاث صور. ثم المعلوم تأريخهما: إما أن يعلم تقارنهما عرفا أو يعلم تقدم العام أو يعلم تأخر العام. فتكون الصور خمسا:
(الصورة الأولى):
إذا كانا معلومي التأريخ مع العلم بتقارنهما عرفا (1)، فإنه لا مجال لتوهم النسخ فيهما.
(الصورة الثانية):
إذا كانا معلومي التاريخ مع تقدم العام، فهذه على صورتين:
1- أن يكون ورود الخاص قبل العمل بالعام. و الظاهر إنه لا إشكال حينئذ في حمله على التخصيص بغير كلام، إما لأن النسخ لا يكون قبل وقت العمل بالمنسوخ كما قيل (2)، و إما لأن الأولى فيه التخصيص كما سيأتي في الصورة الآتية (3).
2- أن يكون وروده بعد وقت العمل بالعام. و هذه الصورة هي أشكل الصور، و هي التي وقع فيها الكلام في أن الخاص يجب أن يكون ناسخا، أو يجوز أن يكون مخصصا و لو في بعض الحالات. و مع الجواز يتكلم حينئذ في أن الحمل على التخصيص هو الأولى، أو الحمل على النسخ.
فالذي يذهب إلى وجوب أن يكون الخاص ناسخا: فهو ناظر إلى أن العام لما ورد و حل وقت العمل بحسب الفرض، فتأخير الخاص عن وقت العمل لو كان مخصصا
(1) أي: في آن واحد جاء أحدهما متصلا بالآخر.
(2) و النكتة في ذلك: هو أن الله لما كان يعلم بأن هذا الحكم سوف ينسخ قبل العمل به سيكون إصدار هذا الحكم عبثا، و ذلك لأنّه لا مصلحة للعبد في مثل هذا الحكم. إلا أنّه قد يرد عليه:
بأن نفس إصداره «سبحانه و تعالى» لهذا الحكم فيه مصلحة، و إن لم يكن في محل ابتلاء المكلفين بأن كان إصداره فيه امتحان للعبيد، حينئذ يتعقل صدوره منه «سبحانه و تعالى»، و من ثم ينسخه.
(3) كما سيذكر العلة في الصورة الآتية. و حاصله: أن الحمل على النسخ يتوقف على كون العام واردا لبيان الحكم الواقعي، و إلا لو كان واردا لبيان الحكم الظاهري لتعين حمله على التخصيص فنقول: غاية ما تثبته أصالة العموم أن العموم مراد جدي و لا تثبت أنّه حكم واقعي حتى يتعين حمل الخاص على النسخ.