محله، و يحتاج تخصيص الجمل السابقة إلى دليل آخر مفقود بالفرض، فيتمسك بأصالة عمومها. و أما ما قيل: إن المقام من باب اكتناف الكلام بما يصلح لأن يكون قرينة، فلا ينعقد للجمل الأولى ظهور في العموم (1): فلا وجه له، لأنه لما كان المتكلم حسب الفرض قد كرر الموضوع بالذكر، و اكتفى باستثناء واحد، و هو يأخذ محله بالرجوع إلى الأخيرة، فلو أراد إرجاعه إلى الجميع لوجب أن ينصب قرينة على ذلك و إلا كان مخلا ببيانه.
و هذا (القول الرّابع) هو أرجح الأقوال، و به يكون الجمع بين كلمات العلماء:
فمن ذهب إلى القول برجوعه إلى خصوص الأخيرة، فلعله كان ناظرا إلى مثل الآية المباركة التي تكرر فيها الموضوع. و من ذهب إلى القول برجوعه إلى الجميع فلعله كان ناظرا إلى الجمل التي لم يذكر فيها الموضوع إلا في صدر الكلام. فيكون النزاع على هذا لفظيا، و يقع التصالح بين المتنازعين.
9- التخصيص العام بالمفهوم
(المفهوم) ينقسم كما تقدم إلى الموافق و المخالف، فإذا ورد عام و مفهوم أخص مطلقا، فلا كلام في تخصيص العام بالمفهوم إذا كان (مفهوما موافقا)، مثاله قوله تعالى: أَوْفُوا بِالْعُقُودِفإنه عام يشمل كل عقد يقع باللغة العربية و غيرها، فإذا ورد دليل على اعتبار أن يكون العقد بصيغة فقد قيل: أنه يدل بالأولوية على اعتبار العربية في العقد، لأنه لما دل على عدم صحة العقد بالمضارع من العربية، فلئن لم يصح من لغة أخرى فمن طريق أولى. و لا شك: أن مثل هذا المفهوم إن ثبت فإنه يخصص العام المتقدم لأنه كالنص أو أظهر من عموم العام، فيقدم عليه (2).
(1) هذه إشارة إلى اعتراض في المقام، و هو حتى لو أرجعنا الاستثناء إلى الجملة الأخيرة فأيضا لا يبقى عموم للجملة الأولى، و ذلك لاحتفاف و اكتناف الكلام لما يصلح للقرينة المانعة من انعقاد الجملة الأولى في العموم.
التخصيص العام بالمفهوم: (2) و مثال آخر: حرمة تزويج ذات البعل التي هي المفهوم الموافق بالأولوية لقوله (عليه السلام):
«و الذي يتزوج المرأة في عدتها و هو يعلم لا تحل له أبدا»، إذ لا إشكال في أولوية حرمة تزويج ذات البعل من نكاح المعتدة، و هذا المفهوم يخصص عموم قوله تعالى: وَ أُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ بعد ذكر حرمة نكاح عدة من النساء كالأم، و البنت، و الأخت، و العمة، و الخالة و غيرهن.