كان البحث السابق و هو (حجية العام في الباقي) في فرض أن الخاص مبين لا إجمال فيه، و إنما الشك في تخصيص غيره مما علم خروجه عن الخاص.
و علينا الآن أن نبحث عن حجية العام في فرض إجمال الخاص. و الإجمال على نحوين:
1- (الشبهة المفهومية): و هي في فرض الشك في نفس الخاص بأن كان مجملا، نحو قوله (عليه السلام): «كل ماء طاهر إلا ما تغير طعمه أو لونه أو ريحه»؛ الذي يشك فيه أن المراد من التغير خصوص التغير الحسي أو ما يشمل التغير التقديري. و نحو قولنا: «أحسن الظن إلا بخالد»؛ الذي يشك فيه أن المراد من خالد هو خالد بن بكر أو خالد بن سعد، مثلا.
2- (الشبهة المصداقية): و هي في فرض الشك في دخول فرد من أفراد العام في الخاص مع وضوح مفهوم الخاص، بأن كان مبينا لا إجمال فيه، كما إذا شك في مثال الماء السابق أن ماء معينا أ تغير بالنجاسة فدخل في حكم الخاص؟ أم لم يتغير فهو لا يزال باقيا على طهارته.
و الكلام في الشبهتين يختلف اختلافا بينا. فلنفرد لكل منهما بحثا مستقلا.
(أ- الشبهة المفهومية):
الدوران في الشبهة المفهومية (تارة): يكون بين الأقل و الأكثر، كالمثال الأوّل، فإن الأمر دائر فيه بين تخصيص خصوص التغير الحسي أو يعم التقديري، (فالأقل) هو التغير الحسي، و هو المتيقن. (و الأكثر) هو الأعم منه و من التقديري.
(و أخرى): يكون بين المتباينين كالمثال الثّاني، فإن الأمر دائر فيه بين تخصيص خالد بن بكر، و بين خالد بن سعد، و لا قدر متيقن في البين.
ثم على كل من التقديرين، إما أن يكون المخصص متصلا أو منفصلا. و الحكم في
أما على القول بأنّ العام المخصص حقيقة: فلا مجال للبحث أي: فلا إشكال حينئذ في حجية العام في تمام الباقي، لأنّه حقيقة فيه، و إنّما الكلام يتصور على القول بأنّ العام المخصص مجاز، حينئذ: يقع البحث في أنّه إذا كان العام مجازا في تمام الباقي أيضا هو مجاز في البعض الباقي، و عليه: فأي مرجح لمجاز على آخر، و عليه: فقد يستشكل في حجيته في تمام الباقي.