فإن قال قائل: إن دلالة اللفظ على معناه المجازي من الدلالة المطابقية فكيف جعلتم المجاز من نوع دلالة الاقتضاء، نقول له: هذا صحيح، و مقصودنا من كون الدلالة على المعنى المجازي من نوع دلالة الاقتضاء هو: دلالة نفس القرينة المحفوف بها الكلام على إرادة المعنى المجازي من اللفظ، لا دلالة نفس اللفظ عليه بتوسط القرينة (1).
(و الخلاصة): إن المناط في دلالة الاقتضاء شيئان: الأوّل: أن تكون الدلالة مقصودة، و الثّاني: أن يكون الكلام لا يصدق أو لا يصح بدونها. و لا يفرق فيها بين أن يكون لفظا مضمرا (2)، أو معنى مرادا: حقيقيا (3) أو مجازيا.
2- دلالة التنبيه:
و تسمى (دلالة الإيماء) أيضا، و هي كالأولى في اشتراط القصد عرفا و لكن من
(1) قد يشكل شاكل: بأن دلالة اللفظ على معناه المجازي من الدلالة المطابقية، و من المعلوم: أن لفظ الأسد يدل بالدلالة المطابقية على الرجل الشجاع غاية ما في الأمر: إنه غير موضوع له، و لذا كان معنى مجازيا، و إذا كانت دلالته بالدلالة المطابقية، فكيف تجعلون المجاز من دلالة الاقتضاء مع أن دلالة الاقتضاء من الدلالة الالتزامية؟
الجواب: مقصودنا من كون الدلالة على المعنى المجازي من دلالة الاقتضاء هو: أن نفس القرينة في قولنا: في الحمام تدل على إرادة المعنى المجازي من اللفظ، فحينما يقول المتكلم: رأيت أسدا في الحمام، هذه القرينة تدل على أن المتكلم أراد المعنى المجازي من لفظ الأسد، و لا شكّ في أن هذه الدلالة دلالة التزامية.
و عليه: حينما نقول بأن المجاز من دلالة الاقتضاء نقصد من ذلك: أن نفس القرينة المحفوفة بالكلام تدل على إرادة المعنى المجازي من اللفظ، و لا نقصد من ذلك دلالة نفس اللفظ على المعنى المجازي، فإن دلالة نفس اللفظ على المعنى المجازي دلالة مطابقية، فدلالة لفظ الأسد بتوسط القرينة على الرجل الشجاع دلالة مطابقية.
فائدة: الدلالة المطابقية هي: ما دلت على تمام المعنى المراد من اللفظ سواء كان المعنى المراد من اللفظ معنى مجازيا أو حقيقيا. فدلالة لفظ الأسد على الحيوان المفترس دلالة مطابقية، و دلالة لفظ الأسد على الرجل الشجاع بتوسط قرينة كذلك دلالة مطابقية، لأن الرجل الشجاع هو المراد عند المتكلم من لفظ الأسد.
(2) كلفظ «أهل» في قوله: سْئَلِ الْقَرْيَةَ.
(3) كاستعمال لفظ الأسد في الرجل الشجاع بناء على المجاز في الإسناد، فيكون استعمال لفظ الأسد في الرجل الشجاع استعمالا حقيقيا ادعائيا.