و هذه مسألة أخرى عند ما تقدم تسمى (بمسألة تداخل المسببات)، و هي من ملحقات الأولى.
و القاعدة فيها أيضا: عدم التداخل.
و السر في ذلك: أن سقوط الواجبات المتعددة بفعل واحد و إن أتى به بنية امتثال الجميع يحتاج إلى دليل خاص، كما ورد في الأغسال بالاكتفاء بغسل الجنابة عن باقي الأغسال، و ورد أيضا جواز الاكتفاء بغسل واحد عن أغسال متعددة، و مع عدم ورود الدليل الخاص فإن كل وجوب يقتضي امتثالا خاصا به لا يغني عنه امتثال الآخر؛ و إن اشتركت الواجبات في الاسم و الحقيقة.
نعم قد يستثنى من ذلك: ما إذا كان بين الواجبين نسبة العموم و الخصوص من وجه، و كان دليل كل منهما مطلقا بالإضافة إلى مورد الاجتماع، كما إذا قال مثلا-:
تصدق على مسكين، و قال- ثانيا-: تصدق على ابن سبيل، فجمع العنوانين شخص واحد بأن كان فقيرا و ابن سبيل فإن التصدق عليه يكون مسقطا للتكليفين (1).
2- الأصل العملي في المسألتين:
إن مقتضى الأصل العملي عند الشك في تداخل الأسباب: هو التداخل لأن تأثير السببين في تكليف واحد متيقن، و إنما الشك في تكليف ثان زائد. و الأصل في مثله البراءة (2).
و بعكسه في مسألة تداخل المسببات، فإن الأصل يقتضي فيه عدم التداخل كما مرت الإشارة إليه، لأنه بعد ثبوت التكاليف المتعددة- بتعدد الأسباب- يشك في سقوط التكاليف الثّابتة لو فعل فعلا واحدا. و مقتضى القاعدة- في مثله- الاشتغال، بمعنى: أن الاشتغال اليقيني يستدعي الفراغ اليقيني، فلا يكتفي بفعل واحد في مقام الامتثال (3).
(1) و وجه الافتراق: قد يكون المسكين ليس ابن سبيل، و قد يكون العكس.
(2) و مثاله: البول و النوم تأثيرهما في وجوب واحد، و هو الوضوء، و هذا أمر متيقن منه، و نشك في تأثيرهما في وجوب آخر، و الأصل جريان البراءة عن وجوب الوضوء مرة أخرى، أي: الأصل عدم وجوب آخر.
(3) و مثاله: لو كان عندنا سببان يؤثران في مسببين، فحينما نأتي بمسبب واحد، سوف نشك في حصول الامتثال في فراغ الذمة، لأن ذمتنا قد اشتغلت بمسببين، و نحن أتينا بمسبب واحد، فحينئذ:
سوف نشك في كونه مسقطا لما اشتغلت به ذمتنا، و الاشتغال اليقيني يستدعي الفراغ اليقيني.