و المعقول من النهي: أن يتعلق فيه الطلب بردع النفس و كفها عن الفعل، و هو فعل نفساني يقع تحت الاختيار.
و الجواب عن هذا التوهم: إن عدم المقدورية في الأزل على العدم لا ينافي المقدورية بقاء و استمرارا، إذ القدرة على الوجود تلازم القدرة على العدم، بل القدرة على العدم على طبق القدرة على الوجود، و إلا لو كان العدم غير مقدور بقاء لما كان الوجود مقدورا، فإن المختار القادر هو الذي إن شاء فعل و إن لم يشأ لم يفعل (1).
و التحقيق: أن هذا البحث ساقط من أصله، فإنه- كما أشرنا إليه فيما سبق- ليس معنى النهي هو الطلب، حتى يقال إن المطلوب هو الترك أو الكف، و إنما طلب الترك من لوازم النهي، و معنى النهي المطابقي: هو الزجر و الردع. نعم الردع عن الفعل يلزمه عقلا طلب الترك، كما أن البعث نحو الفعل في الأمر يلزمه عقلا الردع عن الترك.
فالأمر و النهي كلاهما يتعلقان بنفس الفعل رأسا، فلا موقع للحيرة و الشك في أن الطلب في النهي يتعلق بالترك أو الكف.
5- دلالة صيغة النهي على الدوام و التكرار
اختلفوا في دلالة (صيغة النهي) على التكرار أو المرة كالاختلاف في صيغة (افعل). و الحق هنا: ما قلناه هناك بلا فرق، فلا دلالة لصيغة (لا تفعل) لا بهيئتها و لا بمادتها على الدوام و التكرار و لا على المرة، و إنما المنهي عنه صرف الطبيعة، كما أن المبعوث نحوه في صيغة (افعل) صرف الطبيعة.
(1) و بعبارة أخرى نقول: جواب المصنّف في الحقيقة ينحل إلى جوابين:
الأوّل: إن غير المقدور للمكلف هو ذات العدم الأزلي لا استمراره و بقاؤه، فإنه مقدور للمكلف، فيصح أن يتعلق به النهي.
الثّاني: يتم هذا الجواب بذكر مقدمتين:
الأولى: إن القادر هو من يقدر على الطرفين: طرف الوجود و طرف العدم، أي: إن شاء فعل و إن شاء ترك، و إلا لو كان قادرا على الفعل فقط أو على الترك فقط لكان مجبورا أو مضطرا لا قادرا.
الثّانية: و إذا اعترف الخصيم بأن الفعل مقدور يلزمه الاعتراف بكون العدم مقدورا أيضا، و إلا لو كان العدم غير مقدور لما كان الفعل مقدورا، مع أنه يعترف بأن الفعل مقدور، فلا بدّ أن يعترف بأن العدم مقدور أيضا، و إذا كان العدم مقدورا صح أن يتعلق به النهي.