فإنه قد قلنا هناك: إن هذا الظهور إنما هو بحكم العقل، لا إن الصيغة موضوعة و مستعملة في مفهوم الوجوب.
و كذلك صيغة (لا تفعل) فإنها أكثر ما تدل على النسبة الزجرية بين الناهي و المنهي عنه و المنهي. فإذا صدرت ممن تجب طاعته و يجب الانزجار بزجره و الانتهاء عما نهى عنه، و لم ينصب قرينة على جواز الفعل، كان مقتضى وجوب طاعة هذا المولى و حرمة عصيانه عقلا- قضاء لحق العبودية و المولوية- عدم جواز ترك الفعل الذي نهى عنه إلا مع الترخيص من قبله.
فيكون- على هذا- نفس صدور النهي من المولى بطبعه مصداقا لحكم العقل بوجوب الطاعة و حرمة المعصية، فيكون النهي مصداقا للتحريم حسب ظهوره الإطلاقي، لا أن التحريم- الذي هو مفهوم اسمي- وضعت له الصيغة و استعملت فيه.
و الكلام هنا كالكلام في صيغة (افعل) بلا فرق من جهة الأقوال و الاختلافات.
4- ما المطلوب في النهي (1)
كل ما تقدم ليس فيه خلاف جديد غير الخلاف الموجود في صيغة افعل. و إنما
و خروج المرة و التكرار و الفور و التراخي عن مدلولها.
ما المطلوب من النهي: (1) إن متعلق الطلب في النهي هل هو الكلف أو مجرد الترك و أن لا يفعل؟ قال صاحب الكفاية:
الظاهر هو الثاني.
- ملاحظة توضيحية: ما المراد من الكف:
الكف: هو زجر النفس عن إرادة الفعل و الميل إليه، فالكف أمر وجودي و لا يصدق على مجرد الترك، بل لا بدّ أن يستند الترك إلى زجر النفس. بخلاف الترك، فإنه يصدق على مطلق العدم سواء كان مع الزجر أم بدونه.
و اختار صاحب الكفاية القول الثّاني: و هو مجرد الترك و عدم الفعل و إن لم يكن عن زجر النفس، لأنه المتبادر من الصيغة في المحاورات.
إلا أن هذا الرأي- الذي اختاره صاحب الكفاية- يشكل عليه؛ و ذلك لأن متعلق النهي إذا كان مجرد الترك و عدم الفعل فهو غير مقدور للمكلف لأنه أمر عدمي؛ لأن متعلق التكليف سواء كان نهيا أم أمرا لا بدّ أن يكون مقدورا للمكلف لأنه لا يمكن التكليف بغير المقدور عقلا. و عليه: يتعين أن يكون تعلق النهي الكف و هو أمر وجودي، و هو مقدور للمكلف.