و المقصود بها: كلمة (النهي) كمادة الأمر. و هي عبارة عن طلب العالي من الداني ترك الفعل. أو فقل- على الأصح- أنها عبارة عن زجر العالي للداني عن الفعل و ردعه عنه، و لازم ذلك: طلب الترك، فيكون التفسير الأوّل تفسيرا باللازم على ما سيأتي توضيحه.
و هي- كلمة النهي- ككلمة الأمر في الدلالة على الإلزام عقلا لا وضعا، و إنما الفرق بينهما أن المقصود في الأمر: الإلزام بالفعل، و المقصود في النهي: الإلزام بالترك.
و عليه: تكون مادة النهي ظاهرة في الحرمة، كما أن مادة الأمر ظاهرة في الوجوب.
2- صيغة النهي (1)
(1) قد اشتهر بين قدماء الأصوليين: أنّ مفاد صيغة النهي هو الطلب كمفاد الأمر، إلا أنّ مفاد الأمر يدل على طلب الفعل، و النهي يدلّ على طلب الترك، و قد رفض هذا الكلام مشهور المحققين المتأخرين من علماء الأصول، مدّعين: أن مدلول النهي مختلف عن الأمر ذاتا، فكل منهما يدلّ على معنى مغاير، و مباين للآخر، لا إنهما يدلان معا على الطلب، و يختلفان في متعلقه فقط، و بهذا الصدد نورد ثلاث كلمات:
الكلمة الأولى: ما نسبه السيّد الصّدر (قدس سره) إلى مشهور المعترضين على الرأي السّابق في مفاد النهي، حيث ذكروا: أنّ الأمر يدل على البعث نحو الطبيعة و التحريك إليها، بينما النهي يدل على الزّجر و التبعيد عنها.
الكلمة الثّانية: فيما اختاره السيّد الصّدر (قدس سره) في أنه يدلّ على وضع الفعل و اعتباره في ذمة العبد، و النهي يدلّ على اعتبار حرمان المكلف عن الفعل و ابتعاد عنه لا اعتبار تركه على ذمّته.
و الشاهد عليه- بناء على مسلك العدليّة من تبعية الأحكام للمصالح و المفاسد في متعلقاتها- أنّ الأمر يتبع مصلحة في الفعل فيناسب اعتبار الفعل في ذمة المكلف، و النهي يتبع مفسدة في الفعل، فالفعل هو مركز البغض فيناسب اعتبار حرمان المكلّف منه.