و لكن التداخل- على كل حال- خلاف الأصل (1)، و لا يصار إليه إلّا بدليل خاص، كما ثبت في غسل الجنابة أنه يجزي عن كل غسل آخر، و سيأتي البحث عن التداخل مفصلا في مفهوم الشرط (2).
11- دلالة الأمر بالأمر على الوجوب
إذا أمر المولى أحد عبيده أن يأمر عبده الآخر بفعل- فهل هو أمر بذلك الفعل حتى يجب على الثّاني فعله؟ على قولين: و هكذا يمكن فرضه على نحوين:
1- أن يكون المأمور الأوّل على نحو المبلّغ لأمر المولى إلى المأمور الثّاني، مثل: أن يأمر رئيس الدولة وزيره أن يأمر الرعية عنه بفعل. و هذا النحو- لا شك- خارج عن محل الخلاف، لأنه لا يشك أحد في ظهوره في وجوب الفعل على المأمور الثّاني.
فإنه يجزي عن أكثر من سبب كالجنابة و مس الميت، و الحاصل: أن التداخل إنّما يصدق في فرض وجود مسببين، و هو خلاف التأكيد.
(1) فإن الأصل هو أن كل سبب يحتاج إلى مسبب خاص به.
(2) «و لا يخفى: أنّ عنوان المتن في هذا الفصل هو المستفاد من الكتب الأصولية، لكن بزيادة قيدين آخرين:
الأوّل: أن لا يكون الثّاني معطوفا على الأول.
الثّاني: أن يكونا منكّرين كقوله: «صلّ ركعتين»، «صلّ ركعتين»، أو: «صم، صم» فإن كانا كذلك فقد ذهب فيه جماعة منهم الصيرفي إلى الاتحاد، و عدم وجوب التكرار. و عن الشّيخ، و ابن زهرة، و الفاضلين، و غيرهم: البناء على تغاير الحكمين، و وجوب التكرار، و نسب إلى جماعة منهم العلامة في النهاية، و العضدي، و الأزدي، و أبو الحسين التوقف.
و إن كان الأمر الثّاني معطوفا على الأوّل، و كانا منكرين، نحو: «صلّ ركعتين» و «صلّ ركعتين» فالحكم فيه التأسيس، و وجوب التكرار، من غير ظهور خلاف فيه، لرجحان التأسيس على التأكيد، و لظهور العطف في المغايرة بين المعطوف و المعطوف عليه. و كذا الحكم لو كانا معرّفين، أو كان الأوّل معرّفا، و الثّاني منكرا.
و أما إذا كان الأوّل منكّرا، و الثّاني معرّفا، ففيه أقوال:
- الأوّل: التأسيس، و هو المحكيّ عن جماعة، منهم: ابن زهرة، و العلامة و الآمدي، و الرازي.
- الثّاني: التأكيد، و هو المحكي عن بعض المتأخرين.
- الثّالث: التوقّف، و هو المنسوب إلى المحقّق، و أبي الحسين البصري، و العضدي، و إن شئت الوقوف التام على خصوصيّات هذا البحث، فراجع الكتب المبسوطة الأصولية» [1].