و كذلك المنع من الترك الذي معناه حرمة الترك ليس جزء من معنى وجوب الفعل، بل أحدهما لازم للآخر ينشأ منه تبعا له.
فثبوت الجواز بعد النسخ للوجوب يحتاج إلى دليل خاص يدل عليه و لا يكفي دليل الوجوب، فلا دلالة لدليل الناسخ (1) و لا لدليل المنسوخ (2) على الجواز، و يمكن أن يكون الفعل بعد نسخ وجوبه محكوما بكل واحد من الأحكام الأربعة الباقية (3).
و هذا البحث لا يستحق أكثر من هذا الكلام؛ لقلة البلوى به. و ما ذكرناه فيه الكفاية.
10- الأمر بشيء مرتين (4)
إذا تعلق الأمر بفعل مرتين فهو يمكن أن يقع على صورتين:
1- أن يكون الأمر الثّاني بعد امتثال الأمر الأوّل. و حينئذ: لا شبهة في لزوم امتثاله ثانيا (5).
2- أن يكون الأمر الثّاني قبل امتثال الأمر الأوّل. و حينئذ: يقع الشك في وجوب امتثاله مرتين أو كفاية المرة الواحدة في الامتثال. فإن كان الأمر الثّاني تأسيسا لوجوب آخر تعين الامتثال مرة أخرى، و إن كان تأكيدا للأمر الأوّل فليس لهما إلا امتثال واحد.
و لتوضيح الحال و بيان الحق في المسألة نقول: إن هذا الفرض له أربع حالات:
(الأولى): أن يكون الأمران معا غير معلقين على شرط- كأن يقول مثلا: (صلّ) ثم يقول ثانيا: (صلّ)- فإن الظاهر حينئذ: أن يحمل الأمر الثّاني على التأكيد، لأن
(1) لأنه لا يدل على رفع الوجوب، و أما إثبات الجواز يحتاج إلى دليل خاص لإثباته، فإن قام فبها و نعمت، و إلا رجعنا إلى الأصول العملية.
(2) لأنّه يدل على الإلزام و حينما يرتفع لا يبقى الجواز إلا بدليل خاص، و إن لم يحصل فأصل عملي.
(3) الأحكام الأربعة الباقية هي: الحرمة و الكراهة و الإباحة و الاستحباب.
الأمر بشيء مرتين: (4) أي: إذا أمر المولى بشيء مرتين فهل يستلزم تعدد الامتثال أم يكفي امتثال واحد؟
(5) و ذلك لأن الأمر الثّاني أمر تأسيسي و هذا خارج عن محل الكلام.
و بعبارة أخرى: إذا ورد بعد امتثال الأوّل كما هو الفرض، فيكون الأمر الثاني تأسيسا، إذ لا معنى للتأكيد بعد سقوط الأمر الأول بالامتثال، فيتعيّن كونه تأسيسا و إلا يلزم اللغوية.