(1) قد ذكر لصيغة الأمر معان كثيرة تصل إلى ستة و عشرين معنى كما ينقل عن كتاب (جمع الجوامع و شرحه)، ذكرها كاملة مع التمثيل لكل معنى إلا أن صيغة «افعل» لم تستعمل في أي معنى من تلك المعاني حتى الوجوب. إذا: صيغة الأمر إلى أي شيء هي موضوعة؟ تقدم الكلام في ذكر الجواب في مبحث مادة الأمر في البيان الثالث في أن صيغة الأمر تدل على النسبة الإرسالية. فإن المادة في «افعل» موضوعة للحدث، و الهيئة للنسبة الإنشائية، و لا شيء وراء ذلك مثلا- المادة في «اضرب» موضوعة للضرب، و الهيئة لنسبة الضرب إلى الضارب- فأين الوجوب و التهديد و ما إليهما؟
قال السيد محمد باقر الصدر في حلقاته: ذكرت لصيغة الأمر عدة معان كالطلب و التمني و الترجي و التهديد، و التعجيز و غير ذلك. و هذا في الواقع خلط بين المدلول التصوري للصيغة، و المدلول التصديقي الجدّي لها باعتبارها جملة تامة.
و توضيحه: أن الصيغة- أي: هيئة فعل الأمر- لها مدلول تصوري، و لا بدّ أن تكون من سنخ المعنى الحرفي كما هو الشأن في سائر الهيئات و الحروف، فلا يصح أن يكون مدلولها نفس الطلب بما هو مفهوم اسمي، و لا مفهوم الإرسال نحو المادة، بل نسبة طلبية أو إرسالية توازي مفهوم الطلب أو مفهوم الإرسال، كما توازي النسبة التي تدل عليها «إلى» مفهوم «الانتهاء»، و العلاقة بين مدلول الصيغة بوصفه معنى حرفيا و مفهوم الإرسال أو الطلب تشابه العلاقة بين مدلول «من» و «إلى» و «في» و مدلول «الابتداء» و «الانتهاء» و «الظرفية». فهي علاقة موازاة لا ترادف. و نقصد بالنسبة الطلبية أو الإرسالية:
الربط المخصوص الذي يحصل بالطلب أو بالإرسال بين المطلوب (المادة أي: الضرب) و المطلوب منه (المكلف و هو الفاعل)، أو بين المرسل (المكلف: أي الفاعل) و المرسل إليه (الضرب)، و هذا هو المدلول التصوري للصيغة الثابت بالوضع و للصيغة باعتبارها جملة تامة مكونة من فعل و فاعل، مدلول تصديقي جدّي بحكم السياق لا الوضع، إذ تكشف (الصيغة) سياقا عن أمر ثابت في نفس المتكلم هو الذي دعاه إلى استعمال الصيغة «افعل»، و في هذه المرحلة: تتعدد الدواعي التي يمكن أن تدل عليها الصيغة بهذه الدلالة (التصديقية)، فتارة: يكون الداعي هو الطلب، و أخرى: الترجي، و ثالثة: التعجيز، و هكذا مع انحفاظ المدلول التصوري للصيغة في الجميع.
- و بعبارة أخرى: من قال: إن الطلب و الترجي و التهديد و التمني ... موضوعة لصيغة الأمر فقد اختلط