كل هذا بحكم التبادر و صحة سلب الأمر عن طلب غير العالي، و لا يصح إطلاق الأمر على الطلب من غير العالي إلا بنحو العناية و المجاز و إن استعلى.
3- دلالة لفظ الأمر على الوجوب (1)
اختلفوا في دلالة لفظ الأمر بمعنى (الطلب) على الوجوب، فقيل: أنه موضوع
(1) دلالة لفظ الأمر على الوجوب:
هل الأمر موضوع لخصوص الوجوب، أو لخصوص الاستحباب، أو للجامع بينهما؟
الجواب: الأمر موضوع لخصوص الوجوب.
و البحث وقع في دلالته على الوجوب تارة: في أصل الدلالة، و أخرى: في ملاكها و منشأها.
أما أصل دلالة الأمر لخصوص الوجوب: فيدل عليه قوله تعالى: فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ، الدال على أن الأمر ظاهر في خصوص الطلب الوجوبي، و إلا لم يترتب على مخالفته عقوبة إلا أن هذا الدليل غاية ما يستفاد منه: إطلاق الأمر على الوجوب و استعماله فيه، و الاستعمال أعم من الحقيقة، فلا تكون الآية الشريفة دليلا على أن الأمر حقيقة في الوجوب، و لذا تجد صاحب الكفاية في كفايته جعلها من المؤيدات و لم يجعلها من الأدلة.
و من أدلة القائلين بكون الأمر حقيقة في الوجوب: قوله (صلى الله عليه و آله): «لو لا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك» بتقريب: أنه (صلى الله عليه و آله) مع أمره مرارا بالسواك على وجه الاستحباب، قال «لو لا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك»، و لا بدّ من كون هذا الأمر للوجوب بعد فرض صدور الأمر الاستحبابي بالسواك منه (صلى الله عليه و آله)، و إلا لزم لغوية الأمر المترتب على المشقة، هذا و لكن فيه ما قيل: من أنّه إنّما يدل على الوجوب لقرينة خارجية و هي المشقة و هو غير المدعى.
و من أدلة القائلين بكون الأمر حقيقة في الوجوب: قوله (صلى الله عليه و آله) لبريرة بعد قوله:
أ تأمرني يا رسول الله «لا، بل إنما أنا شافع». و حاصل هذا الدليل: أنّ بريرة كانت أمة لعائشة و زوجها كان عبدا ثم أعتقتها، فلما علمت بريرة بخيارها في نكاحها بعد العتق أرادت مفارقة زوجها، فاشتكى الزوج إلى النبي (صلى الله عليه و آله) فقال (صلى الله عليه و آله) لبريرة: «ارجعي إلى زوجك، فإنّه أبو ولدك و له عليك منة، فقالت: يا رسول الله (صلى الله عليه و آله): أ تأمرني بذلك؟ فقال (صلى الله عليه و آله): «لا إنما أنا شافع».
تقريب الاستدلال به: أن نفيه (صلى الله عليه و آله) للأمر دليل على كونه للوجوب، و لذا قالت بريرة له (صلى الله عليه و آله): «أ تأمرني يا رسول الله (صلى الله عليه و آله) بذلك؟» إذ لو لم تكن دلالة الأمر على الوجوب مركوزة في الأذهان لم يكن وجه لسؤالها وجه، هذا. لكن فيه: أن الاستعمال أعم من الحقيقة- كما مر في الدليل الأول من الآية الشريفة- و الوجوب إنّما يستفاد منه هنا بسبب القرينة. و لذا تجد صاحب الكفاية في كفايته جعلها من المؤيدات و لم يجعلها من الأدلة.
- و ذكر من الأدلة على أن الأمر حقيقة في الوجوب هو: أن صحة مؤاخذة العبد و توبيخه على مجرد