و مرّة حمارا، يمسح وجه فرسه بطرف كمه أو بطرف ردائه، يحبّ الطيب، و يكره الريح الرديّة، و يكرم أهل الفضل فى أخلاقهم، و يستألف أهل الشرف بالبرّ لهم.
يصل ذوى رحمه، و لا يجفو على أحد، يقبل معذرة المعتذر، يمزح و لا يقول إلا حقا، جلّ ضحكه التبسم، يرى اللعب المباح فلا ينكره، و يسابق أهله، لا يمضى له وقت فى غير عمل للّه تعالى، أو فيما لا بدّ منه من صلاح نفسه. يبدأ من لقيه بالسلام، لا يجلس و لا يقوم إلا على ذكر، و إذا انتهى إلى قوم جلس حيث ينتهى به المجلس، و يأمر بذلك، و يعطى كل جلسائه نصيبه لا يحسب جليسه أحدا أكرم عليه منه، و إذا جلس إليه أحدهم لم يقم (صلى اللّه عليه و سلم) حتى يقوم الّذي جلس إليه إلا أن يتعجله أمر فيستأذنه، و لا يقابل أحدا بما يكره.
ليس بفاحش و لا مفحش، و لا يجزى بالسيئة السيئة، و لكن يعفو و يصفح، و لا يحقر فقيرا لفقره، و لا يهاب ملكا لملكه، يعظّم النعمة، و إن قلت، لا يذمّ منها شيئا، ما عاب طعاما قط، إن اشتهاه أكله، و إلا تركه.
و كان يحفظ جاره، و يكرم ضيفه، و ما خيّر بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثما أو قطيعة رحم، فيكون أبعد الناس منه [1].
و كان أكثر جلوسه مستقبل [ص/ 41] القبلة، و كان يكثر الذكر، يستغفر فى المجلس الواحد مائة مرّة، كان يسمع لصدره أزيز كأزيز المرجل من البكاء، و آتاه اللّه مفاتيح خزائن الأرض فلم يقبلها و اختار الآخرة.
و كان يعصب الحجر على بطنه من الجوع، و يبيت هو و أهله الليالى طاوين، و لم يشبع من خبز برّ ثلاثا تباعا حتى لقى اللّه- عز و جل- إيثارا على نفسه، لا مفرا و لا بخلا.
و كان يأتى على آله الشهر و الشهران لا يوقد فى بيت من بيوته نار، و كان لا يأكل متكئا، و لا على مائدة، و فراشه من أدم حشوه ليف، و كانت معاتبته تعريضا، و يأمر بالرفق و ينهى عن العنف، و يحث على العفو و الصفح و مكارم الأخلاق.
[1] انظر صفة أخلاق النبي (صلى اللّه عليه و سلم) فى الطبقات الكبرى لابن سعد 1/ 2/ 90 و ما بعدها.