الوضع بالنحو الذي قال هذا المتوهّم، و هل هذا إلّا الأكل من القفاء؟ فإنّه بعد تصوير علقة بين اللفظ و المعنى بنفس الوضع و الجعل و الاعتبار فلا نحتاج الى التمسّك بأمر آخر يعني الحيث التكويني و هو التعهد، و أيضا الارتكاز شاهد على أن حقيقة الوضع ليس إلّا العلقة الحاصلة بين اللفظ و المعنى بوضع الواضع بحيث يصير بذلك الفعل اللفظ قالبا للمعنى و وجودا تنزيليا للمعنى بلا حاجة الى التعهد.
هذا تمام الكلام في حقيقة الوضع و أنه من الامور الاعتبارية التي حقيقتها ليس إلّا نفس الاعتبار، و ليس حقيقتها من الامور الحقيقية أو الانتزاعية كما بيّنا لك على النحو المطلوب و الطريق الحسن، فالعلقة الحاصلة بين اللفظ و المعنى من الامور الاعتبارية، فافهم.
[الأمر الثالث في أنّ هذا الايجاد اللازم في الوضع من أي قسم من أقسام الإيجاد]
الأمر الثالث: بعد ما ظهر لك ممّا قلنا في حقيقة الوضع أنّه لا بدّ فيه من حيث خارجي غير نفس التصوّر الذهني و اللحاظ، بمعنى أنّه لا يكفي في الوضع نفس تصوّر الواضع و لحاظ كون اللفظ الفلاني موضوعا للمعنى الفلاني، بل لا بدع مع ذلك من ايجاد خارجي، لأنّ الوضع و الجعل لازمه ذلك، و لا يكفي صرف لحاظه و تصوّر اللفظ و المعنى، بل لا بدّ من ايجاد في ذلك بأن يوجد في الخارج أمرا مثل أن يقول:
وضعت لفظ «زيد» بازاء حقيقة «زيد» و هذا ممّا لا إشكال فيه.
يقع الكلام في أنّ هذا الايجاد اللازم في الوضع من أي قسم من أقسام الإيجاد، فلا بدّ أوّلا من بيان أقسام الايجاد و الوجوه التي بها يوجد المعنى في الخارج، فنقول بعونه تعالى:
إنّه تارة يكون الايجاد بالمطابقة مثل أن يوجد البيع بلفظ «بعت» فلفظ «بعت» إيجاد بالمطابقة للبيع؛ لأنّ هذا اللفظ دالّ بالمطابقة على البيع، و تارة يوجد الشيء بايجاد مصداقه يعني يوجد وجود مصداقي المعنى كما قلنا في المعاطاة في البيع فإنّ هذا الأخذ و الإعطاء الخارجي مصداق للبيع، ففي المعاطاة أوجد البائع بإعطائه و أخذ