و التحقيق: أنّ الوضع عبارة عن الهوهويّة و الاتّحاد بين اللفظ و المعنى في عالم الاعتبار، و مثل هذه الهوهويّة و الاتّحاد الاعتباري يمكن أن يوجد في عالم الاعتبار بالجعل و الانشاء تارة و بكثرة الاستعمال أخرى، و بهذا الاعتبار صحّ أيضا تقسيمه إلى التعيينيّ و التعيّني، فاللفظ نحو وجود من المعنى، و لذلك قالوا: إن لكلّ شيء وجودات أربعة و عدّوا من جملتها الوجود اللفظيّ، فكما أنّ الوجود الذهنيّ يتّحد مع الخارج كذلك اللفظيّ، و الكتبيّ مع اللفظيّ و لا غرو في سراية الحسن و القبح من الوجود الخارجيّ إلى اللفظي الّذي هو وجود منه أيضا و إن كان الآثار للخارج فقط.
الجهة الثانية في بيان أقسام الوضع
لا شك في أنّ الوضع لمعنى يحتاج إلى تصوّر ذلك المعنى الموضوع له اللفظ بأي معنى من معاني الوضع، و ذلك المعنى المتصوّر عام تارة و خاصّ أخرى، امّا في الصورة الاولى فتارة يوضع اللفظ بإزاء ذلك المعنى العامّ و يسمّى بالوضع العامّ و الموضوع له العامّ، و أخرى يوضع بإزاء مصاديق ذلك المعنى العامّ فيصير من قبيل ما هو متّحد اللفظ و متكثّر المعنى و يكون في الحقيقة من قبيل المشترك اللفظيّ، و أمّا في الصورة الثانية- أي فيما إذا كان المعنى المتصوّر خاصّا- فلا يمكن إلّا وضع اللفظ بإزائه، و ذلك كالأعلام الشخصيّة، و يسمّى بالوضع الخاصّ و الموضوع له الخاصّ، و لا يمكن وضعه في هذا الفرض بإزاء المعنى العامّ اي الجامع بين هذا الخاصّ المتصوّر و سائر الأفراد المماثلة له، و ذلك لأنّ الواضع حال الوضع إن تصوّر ذلك العنوان العامّ فقد صار الوضع أيضا كالموضوع له عامّا، و إن لم يتصوّر إلّا ذلك المعنى الخاصّ فكيف يعقل أن يضع اللفظ بإزاء شيء لم يتصوّره أصلا، و هذا بخلاف العكس و هو كون الوضع عامّا و الموضوع له خاصّا، اذ العامّ يصلح لأن يكون آلة للحاظ أفراده و مصاديقه بما هو كذلك، فإنّه من وجوهها، و معرفة وجه الشيء معرفته بوجه، بخلاف الخاصّ، فإنّه بما هو خاصّ لا يكون وجها للعامّ و لا سائر الأفراد، فلا يكون معرفته و تصوّره معرفة له و لا لها أصلا و لو بوجه كما في «الكفاية».
و قد يقال بإمكان تصوّر هذا القسم أعني ما يكون الوضع فيه خاصّا و الموضوع له