نام کتاب : المحاسن و المساوي نویسنده : البيهقي، ابراهيم جلد : 1 صفحه : 406
النبيّ صلى اللّه عليه و سلم، من غير وجه و لا اثنين أنه خطب الناس فقال في خطبته: «إنّ اللّه جلّ و عزّ قد افترض عليكم الجمعة في مقامي هذا في يومي هذا من عامي هذا إلى يوم القيامة، فمن تركها استخفافا بها و جحودا بها فلا جمع اللّه شمله و لا بارك له في أهله و لا حجّ له و لا جهاد حتى يتوب إلى اللّه جلّ و عزّ، فمن تاب تاب اللّه عليه» [1] .
ثمّ قال: يا قوم ما الذي حرّكنا على هذه الفضيلة في جوف هذه الليلة؟قيل: السكّر الطبرزد. قال: أجل و اللّه فما أحضرتموني من سكّر إلى هذه الغاية!أيا نصح أيا فتح أيا صبح أيا نجح تبادروا مولاكم فإنّه قد نصب و تعب من طول القيام!و اللّه لأحسب الثريّا مقابلة سمّت رأسي، ذهب و اللّه الليل و جاء الويل، ويلكم أدركوني فإني أريغ نومة و لا بدّ لي من البكور نحو الدار. فبادرت حرمه الخاصة فحثّوا الباعة و انبهوا السوقة و أخذوا ما عندهم على غير سوم و جاءوا به.
فقال: ما هذا؟قالوا: ما أمرت به. قال: فهل أخذتموه على الصفة التي وصفت لكم؟ قالوا: نعم. قال: فهل ورثتموه و استوجبتموه؟قالوا: لا. قال: يا أعداء اللّه أردتم أن تفسدوا ديني!لا و اللّه لا يطمع مني في هضيمة، لا و اللّه لا تزال هذه حالي حتى تأخذوه بيعا صحيحا، لا شرط فيه و لا خيار و لا مثنويّة و لا على حدّ تلجئة، هيهات يأبى اللّه جلّ و عزّ ذاك عليّ. قال:
فرجعوا و ساوموا الباعة و قطعوا ثمنه و أخبروه. فقال: يوزن بحضرتي. فأتوه بالقبّان. فقال:
من يزن منكم؟قال: من أمرته. قال: زن يا نصح فقد دنا الصبح و أرجح فإنّ النبيّ صلى اللّه عليه و سلم، اشترى فقال للوزّان: «زن و أرجح» .
و اللّه لو لم يكن في الرّجحان إلاّ تحلّة القسم لكان في ذلك ما يدعو العلماء و الفقهاء في دين اللّه جلّ و عزّ إلى العمل به. فجعل الغلام يزن و يرجح و هو يقول: ويلك عجّل فداك أهلك قد دنا الصبح أوه خرجت نفسي أو كادت!فلمّا استوى الوزن خرّ مغشيّا عليه ما يدري أرضا توسّد أو وسادا، و كذلك كانت حال من كان في مثل حاله. فهذه يا أمير المؤمنين حال من أحمدت علمه و فهمه و رأيه.
فقال المأمون: قاتلك اللّه ما أعجب أمرك!على كلّ حال و اللّه لئن كنت ولّدت هذا عن أبيك في مقامك ما في الأرض نظير و لا في السماء شبيه، و إن كنت حكيت عنه عيانا و وعيت فلقد أجدت الحكاية و أحسنت العبارة و ما لأبيك في الدنيا شبيه، و إنّك لتغمر مساويك بمحاسنك فلا تذكرنّ شيئا من هذا بعد هذا المجلس فإن عيبه فينا أقدح منه في أبيك. قال:
فذهب عليّ ليتكلّم، فقال المأمون: لا تبضّنّ لسانك بحرف واحد. ثمّ أمر بنيه بالانصراف.