نام کتاب : المحاسن و المساوي نویسنده : البيهقي، ابراهيم جلد : 1 صفحه : 244
ما المرء إلاّ ابن نفسه فبها # يعرف عند التّحصيل للنّوب [1]
حتى إذا المرء غال مهجته # ألفيته تربة من التّرب
و وجدنا أبلغ العظات النظر إلى محلّ الأموات، و أحمد البلاغة الصمت، و وجدنا لأهل الحزم حذارا شديدا و بذلك نجو من المكروه، و الكرم حسن الاصطبار، و العزّ سرعة الانتصار، و التجربة طول الاعتبار، قال؛ خبّرني هل نظرت في النجوم؟قال: ما نظرت فيها إلاّ فيما أردت به الهداية و لم أنظر فيما أردت به الكهانة، و قد قلت في النجوم:
علم النّجوم على العقول وبال # و طلاب شيء لا ينال ضلال
ما ذا طلابك علم شيء أغلقت # من دونه الأفلاك ليس ينال
هيهات ما أحد بغامض قدره # يدري كم الأرزاق و الآجال
إلاّ الّذي فوق السّماء مكانه # فلوجهه الإكرام و الإجلال
قال: فهل نظرت في زجر الطير؟قال: نحن معاشر العرب مولعون بزجر الطير. قال:
فما أعجب ما رأيته منه؟قال: شخصت أنا و صاحب لي من العرب إلى بعض الملوك فألفيناه يريد غزو قوم كانوا على دين النصرانيّة فخرج حتى إذا كان على فراسخ من مدينته أمر بضرب فساطيطه و أروقته لتتوافى إليه جنوده و ضرب له فسطاط على شاطئ نهر و أمر بخباء فضرب لي و لصاحبي، فبينا نحن كذلك إذ أقبل طائران أسود و أبيض و أنا و صاحبي نرمقهما حتى إذا كانا على رأسه رفرفا و شرشرا ثمّ غابا ثمّ رجعا أيضا حتى إذا كانا قريبا منه طوياه ثمّ أقبلا نحونا فوقفا ثمّ رتعا. فقال صاحبي: ما رأيت كاليوم طائرين أعجب منهما فأيّهما أنت مختار؟ فقلت: الأسود. قال: الأبيض أعجبهما إليّ، فما تأوّلتهما؟قلت: الليل و النهار يطويان هذا الرجل في سفره فيموت، و تأوّلت اختيارك الأبيض أنّك تنصرف بيد بيضاء مخفقة من المال.
فإذا هو قد غضب. فلمّا جنّ الليل بعث إلينا الملك لنسمر عنده فإذا صاحبي قد أخبره بالخبر، فسألني فأخبرته و صدقته. فغضب و قال: هذه حميّة منك لأهل دينك، فقلت: أمّا أنا فقد صدقتك. فأمر بحبسي و مضى لوجهه، فلم يتجاوز إلاّ قليلا حتى مات، فأوصى لي بعشرين ناقة و قال: قاتل اللّه قسّا!لقد محضني النصيحة. فانصرفت من سفري ذلك بعدّة من الإبل و انصرف صاحبي مخفقا من المال.
قال الملك: و ما رأيت أيضا من الزجر أعجب؟قلت: رأيت مرّة عند الملك الهمام أبي قابوس و قد خرج عليه خارج من مضر يريد ملكه و قد حشد له فبعث إلى بعض عمّاله في توجيه