أب يحدب عليه [1] . و كان يقال: الجالي عن مسقط رأسه كالعير الناشز عن موضعه الذي هو لكلّ سبع فريسة و لكلّ كلب قنيصة و لكلّ رام رميّة.
و كان يقال: الغريب عن وطنه و محلّ رضاعه كالغرس الذي زايل أرضه و فقد شربه فهو ذاو لا يثمر و ذابل لا ينضر؛ و أنشد:
و مغترب بالمرج يبكي لشجوه # و قد غاب عنه المسعدون على الحبّ
إذا ما أتاه الرّكب من نحو أرضه # تنفّس يستشفي برائحة الرّكب
و لآخر:
إذا ما ذكرت الثّغر فاضت مدامعي # و أضحى فؤادي نهبة للهماهم
حنينا إلى أرض بها اخضرّ شاربي # و حلّت بها عني عقود التّمائم
و ألطف قوم بالفتى أهل أرضه # و أرعاهم للمرء حقّ التقادم
أحنّ إلى أرض الحجاز و حاجتي # خيام بنجد دونها الطّرف يقصر
و ما نظري من نحو نجد بنافعي # أجل لا و لكني على ذاك أنظر
أ في كلّ يوم نظرة ثمّ عبرة # لعينيك يجري ماؤها يتحدّر
متى يستريح القلب؟إمّا مجاور # حزين و إمّا نازح يتذكر
الطائيّ:
نقل فؤادك حيث شئت من الهوى # ما الحبّ إلاّ للحبيب الأوّل
كم منزل في الأرض يألفه الفتى # و حنينه أبدا لأوّل منزل
مساوئ من كره الوطن
قال بعض الفلاسفة: اطلبوا الرزق في البعد فإنكم إن لم تكسبوا مالا غنمتم عقلا كثيرا.
و قال آخر: لا يألف الوطن إلاّ ضيّق العطن.
و قيل لآخر: ما أصبرك على الغربة!فقال: آنست بالنوائب حتى ما أعرف غيرها و غذيت بالمكاره فما أجد ضيرها.
و مدح أعرابيّ رجلا فقال: خرّجته الغربة و درّبته التجربة و ضرسته النوائب.
[1] يحدب عليه: يعطف عليه و يرأف به.