ففي المراتب السفلى من الطبيعة ، أي في الجمادات والموجودات غير الحيّة ، التي يحكم في كل منها نوع واحد من القوى البسيطة المحضة ، وتعمل على وتيرة واحدة ( حسب المصطلح والتعبير الفلسفي ) تندمج الأجزاء والقوى بعضها في بعض اندماجاً كليّاً ، وينحل وجودها تماماً في وجود الكل ، كما في تركيب الماء من الأوكسجين والهيدروجين ، ولكن كلّما كان التركيب في مستوى أعلى اكتسبت الأجزاء استقلالاً نسبياً أكثر بالنسبة إلى الكل ، وتحقق نوع من الوحدة في الكثرة ، والكثرة في الوحدة . فنجد في الإنسان ـ مثلاً ـ أنّ القوى التابعة له لا تكتفي بالاحتفاظ على كثرتها فحسب ، بلى نجد بين القوى الداخلية له تضاداً وتعارضاً دائمياً . والمجتمع أرقى موجودات الطبيعة ؛ ولذلك فاستقلال الأجزاء نسبياً فيه أكثر من غيره .
إذن فالإنسان ( وهو الجزء الذي يتركّب منه المجتمع ) حيث إنّه يتمتّع بعقله وإرادته الفطرية في وجوده الفردي قبل وجوده الاجتماعي ، وحيث إنّ الاستقلال النسبي للأجزاء في المراتب الراقية من الطبيعة محفوظة ، ( فالإنسان ) أي روحه الفردية غير مجبر وغير مسلوب الاختيار تجاه الروح الجماعية .
التقسيمات والطبقات الاجتماعية :
المجتمع مع أنّه يتمتّع بنوع من الوحدة ينقسم في نفسه ـ على وجه العموم أو في بعض الموارد على الأقل ـ إلى طوائف وطبقات وأصناف مختلفة وقد تكون متضادّة ؛ إذن فالمجتمع له وحدة في عين الكثرة ، وكثرة في عين الوحدة ـ حسب اصطلاح فلاسفة الإسلام ـ وقد بحثنا في