من المؤكّد أنّ كل الذين يؤمنون بالحركة التطوّرية لمسيرة التاريخ ، يعترفون بأنّ واقع المجتمعات ليس دائماً أفضل من ماضيها ، ويعلمون أنّ مسيرة المجتمعات لا تتجه نحو التطوّر باستمرار دون تقهقر أو توقّف ، فالركود والانحطاط والتقهقر ، وهبوط منحنى التطور وتأرجحه ، بل حتى السقوط والانهيار ظواهر تعتري المجتمعات دون شك . المقصود هنا هو أنّ المجتمعات البشرية تتجه في مسيرتها بمجموعها نحو التطور .
كتب فلسفة التاريخ تطرح عدّة نظريات حول عوامل التطور الاجتماعي ، ولو أمعنّا النظر في هذه النظريات لألفيناها لا ترتبط غالباً بموضوع عوامل التطوّر ، ولرأيناها بعيدة عن المسألة الأساسية التي ينبغي أن تعالجها .
نستعرض هذه النظريات كما طرحتها كتب فلسفة التاريخ ؛ لنبيّن بعد ذلك أخطاءها وبُعدَها عن معالجة الموضوع :
1 ـ النظرية العنصرية :
وهذه النظرية تذهب إلى أنّ بعض السلالات البشرية لها قابلية صنع الحضارات والثقافات ، وبعضها الآخر يفتقد إلى هذه القابلية ، وبعضها ينتج العلوم والفلسفة والصناعات والفنون والأخلاق ، وبعضها الآخر يستهلك هذه المنتجات .
أصحاب هذه النظرية يستنتجون ضرورة تقسيم العمل بين السلالات ، فالسلالات الكفوءة تتولّى مسؤوليات السياسة والتعليم ونشر الثقافة والحضارة والفنون والصناعات ، أمّا السلالات الأُخرى فمعافة من هذه الأعمال ، وتنهض بدلاً من ذلك بالأعمال الجسمية الشاقّة شبه الحيوانية التي لا تتطلب فكراً وذوقاً . أرسطو كان يتبنّى هذه النظرية ،