المقابلة مع العدو المشترك ، فلابد لها من نوع من التعاون والتعاهد فيما بينها . وبناءاً على النظرية الثالثة ، تكون الحياة الاجتماعية من قبيل عقد الشركة بين تاجرين يتعاونان في مؤسسة تجارية ، أو صناعية ، أو زراعية ؛ لكسب كميّة أكبر من المال .
والعامل الأساس بناءاً على النظرية الأُولى : هو الطبع الفطري للإنسان . وبناءاً على النظرية الثانية : أمر خارج عن وجود الإنسان . وبناءاً على النظرية الثالثة : هو القوّة المدركة والمقدرة للإنسان .
والتمدّن بناءاً على النظرية الأُولى : غاية عامة طبيعية يتوجّه إليه الإنسان بمقتضى فطرته ، لكنّه بناءاً على النظرية الثانية أمر اتفاقي وعرضي ، فهو غاية ثانوية باصطلاح الفلسفة ، وهو بناءاً على النظرية الثالثة غاية يبتغيها الفكر وليس غاية طبيعية .
ثم إنّ المستفاد من القرآن الكريم أنّ التمدّن والعيش الاجتماعي ممّا جُبل عليه الإنسان في أصل الخلقة ، قال الله تعالى في سورة الحجرات :
فالآية الكريمة كما تشتمل على درس أخلاقي ، وهو جعل التعارف غاية للتشعب والقبلية تنبيهاً على منع التفاخر بذلك ، تشير أيضاً إلى النكتة الاجتماعية في كيفية خلقة الإنسان ، حيث بيّن أنّه خلق على وجه ينتهي إلى تشكّله إلى أُمم وقبائل مختلفة ، والانتساب إلى الأُمم والقبائل يفيد معرفة الأشخاص وتمييزهم بعضاً عن بعض ، وهو شرط أساسي في الحياة الاجتماعية . فلولا هذا الانتساب الذي هو الوجه المشترك بين الأفراد من جهة ، ووجه الامتياز من جهة أُخرى لم يمكن معرفة الأشخاص وتمييزهم ، وبالنتيجة لم يمكن تشكيل الحياة الاجتماعية المبتنية على روابط الأفراد . فالانتساب إلى الأُمة