إنّ الأبحاث السابقة كانت تدور حول أحد الموضوعين المهمّين للتاريخ ، أي ماهيته ، والكلام في أنّها مادية أو غير مادية . والموضوع المهم الآخر تطوّر التاريخ الإنساني .
من المعلوم أنّ الحياة الاجتماعية لا تختص بالإنسان ، فهناك بعض الحيوانات الأُخرى تعيش عيشة اجتماعية نوعا ما ، فحياتها تبتني على التعاون وتقسيم الأعمال والمسؤوليات تحت مجموعة من القوانين المنظمة . فالنحل ـ مثلاً ـ من هذا القبيل ، ولكن هناك فرق أساسي بين الحياة الاجتماعية للإنسان والحياة الاجتماعية لتلك الحيوانات ، وهي أنّ حياتها الاجتماعية ثابتة لا تتغير ، فلا يطرأ التطوّر والتكامل على نظامها المعيشي ، أو كما يقول : ( موريس مترلنيك ) على تمدّنها ، إن صحّ التعبير . وهذا بخلاف الحياة الاجتماعية لدى البشر ، فإنّها متطوّرة متكاملة بل لها نوع من السرعة ، وهذه السرعة تزداد تدريجياً ؛ ولذلك فإنّ تاريخ الحياة الاجتماعية للإنسان ينقسم إلى أدوار تختلف حسب اختلاف الجهات الملحوظة . فمثلاً ينقسم من حيث وسائل الحياة إلى مرحلة الصيد ومرحلة الزراعة ومرحلة الصناعة . ومن حيث النظام الاقتصادي إلى المرحلة الاشتراكية الحديثة . ومن حيث النظام السياسي إلى المرحلة العشائرية ، ومرحلة الاستبداد والديكتاتورية ، والمرحلة الارستقراطية ، والمرحلة الديمقراطية . ومن حيث الجنس إلى مرحلة زعامة المرأة ومرحلة زعامة الرجل ، وهكذا من سائر الحيثيات .
لماذا لا يلاحظ هذا التطور في الحياة الاجتماعية لسائر الحيوانات ؟