بقي ممّا دلّت عليه الآية من خصائص علي عليه السّلام فضل تضمحل دونه الخصائص، و تفنى في جنبه الفضائل و المناقب، ألا و هو كونه نفس النبي صلّى اللّه عليه و آله و جاريا بنص الآية مجراه، الفضل الذي تعنو له الجباه بخوعا، و تطأ من لديه المفارق خشوعا، و يملأ الصدور هيبة و إجلالا، و تصاغر دونه الهمم يأسا من بلوغ مداه «ذلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَ اللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ»*[1].
و أنت هداك اللّه إذا عرفت أنّ اللّه تبارك و تعالى قد أنزل نفس النبي، و أجراها في محكم الذكر مجراها، لا ترتاب حينئذ في أنّه أفضل الأمة و أولاها برسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله حيّا و ميّتا.
و قد صرح أولياء أهل البيت، و اعترف أعداؤهم بدلالة الآية على هذا التفضيل الخالد في القرآن ذكره، و الطيب في بينات الفرقان نشره، حتى أنّ الرازي مع غرامه بنقض المحكمات، و هيامه في التشكيك و الشبهات، لم يناقش في دلالتها على هذا المقدار من تفضيله عليه السّلام، و إنّما ناقش المحمود ابن الحسن، حيث صرح بدلالتها على تفضيله على من كان قبل محمد من الأنبياء عليه و عليهم السلام.
و أليك عبارة الرازي بعين لفظه:
قال [2]: كان في الري رجل يقال له محمود بن الحسن الحمصي [3]، و كان معلّم الاثني عشرية، و كان يزعم أن عليا رضى اللّه عنه أفضل من جميع الأنبياء سوى محمد صلّى اللّه عليه و آله.
[2] في تفسير آية المباهلة، فراجع صفحة 488 من الجزء الثاني من تفسيره الكبير «مفاتيح الغيب»، و الرازي هذا هو الخطيب محمد بن عمر المعروف بفخر الدين الرازي.
[3] هو سديد الدين محمود بن علي الحمصي الرازي الحلي، له كتب منها: «المنقذ من التقليد و المرشد الى التوحيد»، أو المسمى «بالتعليق العراقي»، و قد طبع في مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم في مجلدين، الكنى و الألقاب للقمي: