و ثانيها: الأخبار التي دلّت على أنّه لا يتعلّق التكليف إلّا بعد بعث الرّسل، لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَ يَحْيى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ[1]. و على أنّ على اللّه تعالى بيان ما يصلح للناس و ما يفسد، و على أنّه لا يخلو زمان عن إمام معصوم (عليه السلام) ليعرّف النّاس ما يصلحهم و ما يفسدهم [2]، و على: «أنّ اللّه يحتجّ على العباد بما آتاهم و عرّفهم، ثم أرسل إليهم رسولا و أنزل إليهم الكتاب فأمر فيه و نهى، أمر فيه بالصلاة و الصيام» [3] الحديث.
و لا يخفى ضعف الاستدلال بها، و يظهر الجواب عنها ممّا قدّمنا، فإنّ المراد من بعث الرسل هو التبليغ و لا معنى للتبليغ بعد إدراك العقل مستقلّا، فإنّه تحصيل الحاصل.
نعم هو لطف و تأييد و تأكيد كموعظة الواعظين في التكاليف السّمعيّة الّتي صار كثير منها من ضروريّات الدّين، مع أنّ البيّنة أعمّ من الشّرع، و التعليل يفيد انحصار البيّنة في الشّرع و هو لا يتمّ إلّا فيما لا يدركه العقل.
سلّمنا الدّلالة لكنها مخصّصة بالأدلّة المتقدّمة، و بيان ما يصلح و يفسد لا ينحصر في بيان الرسول؛ فقد بيّن اللّه تعالى كثيرا من المصالح و المفاسد بسبب خلق العقل، و تعريف المصلح و المفسد ينحصر في المعصوم (عليه السلام) إذا لم يكن بحيث يدركهما العقل فهو في غير ما يستقلّ به العقل.