ثمّ إنّك بعد ما بيّنا لك سابقا [1]، لا أظنّك رادّا علينا أمر الاستصحاب في الحكم الشرعيّ بما ذكرنا في هذا المقام، بأن نقول: يمكن أن يردّ الاستصحاب فيها بمثل ذلك، و يقال: إنّ الأحكام الواردة في الشّرع إنّما يسلّم جريان الاستصحاب فيها إن ثبت كونها مطلقات و لم تكن مقيّدة الى وقت خاصّ و اختفى علينا، أو ممتدّة الى آخر الأبد، و الذي يجوز إجراء الاستصحاب فيه هو الأوّل، و ذلك لأنّ التتبّع و الاستقراء يحكمان بأنّ غالب الأحكام الشرعيّة في غير ما ثبت في الشّرع له حدّ، ليست بآنيّة [2] و لا محدودة الى حدّ معيّن، و أنّ الشّارع يكتفي فيها فيما ورد عنه مطلقا في استمراره، و يظهر من الخارج أنّه أراد منه الاستمرار، فإنّ تتبّع أكثر الموارد و استقراؤها يحصّل الظّن القويّ بأنّ مراده من تلك المطلقات هي الاستمرار الى أن يثبت الرّافع من دليل عقليّ أو نقليّ.
قلنا: ليس كذلك، فإنّ الغالب في النبوّة هو التّحديد، بل إنّما الذي ثبت علينا و نسلّمه من الامتداد القابل لأن نمتدّه الى الأبد، هو نبوّة نبيّنا (صلى الله عليه و آله) و سلم مع أنّا لا نحتاج في إثباته الى التمسّك بالاستصحاب حتّى يتمسّك الخصم بأنّ نبوّته أيضا مردّدة بين الأمور الثلاثة، بل نحن متمسّكون بما نقطع به من النّصوص و الإجماع.
[1] من أنّ استصحاب كل شىء يتبعه في ملاحظة مقدار استعداده و قد رأينا أن الأحكام الشرعية مستمرّة.
[2] و لما عرفت بأنّها ليست بآنيّة يبقى الإطلاق بمعنى قابلية الاستمرار، و عند ذلك يمكن إجراء الاستصحاب فيها.
[3] يعني بمثل ما ذكرناه من إمكان جريان الاستصحاب في الأحكام الشّرعية نقول في النبوّة.