و منها قوله تعالى ما يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ[1].
فإنّ هذه الآيات دلّت على نفي الحكم الذي يوجب العسر و الحرج دلالة تامة كاملة، و من المعلوم أنّ القاعدة متخذة من هذه الآيات و لا حاجة إلى ذكر الروايات الواردة في الباب التي بلغت حد الاستفاضة، لأنّ بها غنى و كفاية فالقاعدة مسلّمة لا إشكال فيها عند الفقهاء.
و لا شك في أنّها من ضروريات الفقه، و تزيدها قوة و متانة ما ورد في بعض الروايات استناد الحكم إلى هذه القاعدة، كما في صحيح محمّد بن مسلم قال:
سمعت أبا جعفر (عليه السّلام) يقول: «الشيخ الكبير و الذي به العطاش لا حرج عليهما أن يفطرا في شهر رمضان» [2]. فالإفطار في هذه الصحيحة مستند إلى قاعدة لا حرج. و لا يخفى أنّ مفاد القاعدة هو نفي الحكم الحرجي بنحو العزيمة لا الرخصة، كما قال المحقّق صاحب الجواهر (رحمه اللّه) في مسألة إفطار الشيخ الكبير: ثم لا يخفى عليك أنّ الحكم في المقام و نظائره من العزائم لا الرخص، ضرورة كون المدرك فيه نفي الحرج و نحوه (نفي العسر) ممّا يقتضي برفع التكليف [3].
بقيت أمور ينبغي التنبيه عليها:
1- ما هو الضابط للحرج؟ التحقيق أنّ ملاك الحرج هي المشتقة التي تكون فوق المتعارف، و المرجع للتشخيص هو المكلف نفسه، أو من هو أعرف به منه.
2- هل الحرج نوعي أو شخصيّ؟ لا إشكال في انّ الحرج الذي هو رافع للتكليف هو الحرج الشخصي، و ذلك لأنّ التكليف شخصيّ و الخطابات الشرعيّة تنحلّ إلى خطابات شخصيّة لكلّ فرد، و بالنتيجة يتعلق التكليف لكلّ شخص من المكلفين، و إذا فرض كون الحرج نوعيّا لا يكون رافعا للتكليف الشخصيّ، لاختلاف المتعلق فما رفع بالحرج لم يكن متعلّق التكليف، و ما تعلّق به التكليف لم