كان أبو ذر الغفاري يقضي ساعات آخر عُمره في صحراء الرَّبذة ، وكانت زوجته تبكي عنده فسألها أبو ذر :
ما يبكيك ؟! .
فقالت : ستموت وحيداً في هذه الصحراء ، فماذا أصنع بجُثَّتك ؟! وأنّى لي ما أُكفِّنك به ؟!
فقال لها أبو ذر : لا تبكي ، فإنِّي سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) ذات يوم ـ وأنا عنده في نَفر ـ يقول : (ليَموتَنَّ رجلٌ منكم بفلاةٍ مِن الأرض تشهده عِصابةٌ مِن المؤمنين) .
ثمَّ قال لها : إنَّ جميع مَن حضروا ذلك المجلس قد ماتوا وهم في الحاضرة بين أهاليهم ، ولم يبقَ منهم سواي ، وها أنا أموت في فَلاة . فانظري إلى الطريق وسوف ترين صدق ما أخبرتك به .
فقالت زوجته : كيف يُمكن أنْ يمرَّ أُناس في هذه الصحراء ، وقد انتهى موسم الحَجِّ ؟!
فقال لها أبو ذر : لم أكذِّبك الخبر أبداً . راقبي الطريق . ثمَّ أسلم الروح .
وما انقضت ساعة حتَّى ظهرت قافلة وتقدَّمت إلى صحراء الربذة ، وقد كان فيها مالك بن الأشتر ، فأخبرتهم زوجة أبي ذر بموت زوجها ، فترحَّم عليه الجميع آسفين ، ولكنَّهم فرحوا للتوفيق الذي نالوه بتجهيز أحد أولياء الله ودفنه فغسَّلوه وكفَّنوه ، ووقف الجميع بإمامة مالك بن الأشتر يُصلُّون عليه ثمَّ دفنوه [1] .