نام کتاب : الطب النبوي نویسنده : ابن قيّم الجوزية جلد : 1 صفحه : 99
فصل في هديه (صلى اللّه عليه و سلم) في الارشاد الى معالجة أحذق الطبيبين
ذكر مالك في «موطئه»: عن زيد بن أسلم، أن رجلا في زمان رسول اللّه (صلى اللّه عليه و سلم) أصابه جرح، فاحتقن الجرح الدم، و أن الرجل دعا رجلين من بني أنمار، فنظرا إليه فزعما أن رسول اللّه (صلى اللّه عليه و سلم) قال لهما: «أيكما أطب»؟ فقال: أو في الطب خير يا رسول اللّه؟ فقال: «أنزل الدواء الذي أنزل الداء» [1].
ففي هذا الحديث أنه ينبغي الاستعانة في كل علم و صناعة بأحذق من فيها فالأحذق، فانه إلى الإصابة أقرب.
و هكذا يجب على المستفتي أن يستعين على ما نزل به بالأعلم فالأعلم، لأنه أقرب إصابة ممن هو دونه.
و كذلك من خفيت عليه القبلة، فانه يقلد أعلم من يجده، و على هذا فطر اللّه عباده، كما أن المسافر في البر و البحر إنما سكون نفسه، و طمأنينته إلى أحذق الدليلين و أخبرهما، و له يقصد، و عليه يعتمد، فقد اتفقت على هذا الشريعة و الفطرة و العقل.
و قوله (صلى اللّه عليه و سلم): «أنزل الدواء الذي أنزل الداء»، قد جاء مثله عنه في أحاديث كثيره، فمنها ما رواه عمرو بن دينار، عن هلال بن يساف، قال: دخل رسول اللّه (صلى اللّه عليه و سلم) على مريض يعوده، فقال: «أرسلوا إلى طبيب»، فقال قائل: و أنت تقول ذلك يا رسول اللّه؟ قال: «نعم إن اللّه عز و جل لم ينزل داء إلا أنزل له دواء».
و في «الصحيحين» من حديث أبي هريرة يرفعه: «ما أنزل اللّه من داء إلا أنزل له شفاء»، و قد تقدم هذا الحديث و غيره.
و اختلف في معنى «أنزل الداء و الدواء»، فقالت طائفة: إنزاله إعلام العباد به، و ليس بشيء، فإن النبي (صلى اللّه عليه و سلم) أخبر بعموم الإنزال لكل داء و دوائه، و أكثر الخلق لا يعلمون ذلك، و لهذا قال: «علمه من علمه، و جهله من جهله».