responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : الطب النبوي نویسنده : ابن قيّم الجوزية    جلد : 1  صفحه : 70

اشتغلت به عن طلب الغذاء و الشراب، فلا تحسّ بجوع و لا عطش، بل و لا حر و لا برد، بل تشتغل به عن الإحساس المؤلم الشديد الألم، فلا تحسّ به، و ما من أحد إلا و قد وجد في نفسه ذلك أو شيئا منه، و إذا اشتغلت النفس بما دهمها، و ورد عليها، لم تحسّ بألم الجوع، فإن كان الوارد مفرّحا قويّ التفريح، قام لها مقام الغذاء، فشبعت به، و انتعشت قواها، و تضاعفت، و جرت الدموية في الجسد حتى تظهر في سطحه، فيشرق وجهه، و تظهر دمويته، فإن الفرح يوجب انبساط دم القلب، فينبعث في العروق، فتمتلئ به، فلا تطلب الأعضاء حظّها من الغذاء المعتاد لاشتغالها بما هو أحبّ إليها، و إلى الطبيعة منه، و الطبيعة إذا ظفرت بما تحب، آثرته على ما هو دونه.

و إن كان الوارد مؤلما أو محزنا أو مخوفا، اشتغلت بمحاربته و مقاومته و مدافعته عن طلب الغذاء، فهي في حال حربها في شغل عن طلب الطعام و الشراب. فإن ظفرت في هذا الحرب، انتعشت قواها، و أخلفت عليها نظير ما فاتها من قوة الطعام و الشراب، و إن كانت مغلوبة مقهورة، انحطت قواها بحسب ما حصل لها من ذلك، و إن كانت الحرب بينها و بين هذا العدوّ سجالا، فالقوة تظهر تارة و تختفي أخرى، و بالجملة فالحرب بينهما على مثال الحرب الخارج بين العدوين المتقاتلين، و النصر للغالب، و المغلوب إما قتيل، و إما جريح، و إما أسير.

فالمريض له مدد من اللّه تعالى يغذيه به زائدا على ما ذكره الأطباء من تغذيته بالدم، و هذا المدد بحسب ضعفه و انكساره و انطراحه بين يدي ربه عز و جل، فيحصل له من ذلك ما يوجب له قربا من ربه، فإن العبد أقرب ما يكون من ربه إذا انكسر قلبه، و رحمة ربه عندئذ قريبة منه، فإن كان وليا له، حصل له من الأغذية القلبية ما تقوى به قوى طبيعته، و تنتعش به قواه أعظم من قوتها، و انتعاشها بالأغذية البدنية، و كلما قوي إيمانه و حبه لربه، و أنسه به، و فرحه به، و قوي يقينه بربه، و اشتد شوقه إليه و رضاه به و عنه، وجد في نفسه من هذه القوة ما لا يعبر عنه، و لا يدركه وصف طبيب، و لا يناله علمه.

و من غلظ طبعه، و كثفت نفسه عن فهم هذا و التصديق به، فلينظر حال كثير من عشّاق الصور الذين قد امتلأت قلوبهم بحب ما يعشقونه من صورة، أو جاه، أو مال، أو علم، و قد شاهد الناس من هذا عجائب في أنفسهم و فى غيرهم.

نام کتاب : الطب النبوي نویسنده : ابن قيّم الجوزية    جلد : 1  صفحه : 70
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست