نام کتاب : الطب النبوي نویسنده : ابن قيّم الجوزية جلد : 1 صفحه : 170
و قوله في الحديث الصحيح: «إن كان عندك ماء بات في سنّة و إلا كرعنا»، فيه دليل على جواز الكرع، و هو الشرب بالفم من الحوض و المقراة و نحوها، و هذه- و اللّه أعلم- واقعة عين دعت الحاجة فيها إلى الكرع بالفم، أو قاله مبينا لجوازه، فإن من الناس من يكرهه، الأطباء تكاد تحرّمه، و يقولون: إنه يضر بالمعدة، و قد روي في حديث لا أدري ما حاله عن ابن عمر، أن النبي (صلى اللّه عليه و سلم) نهانا أن نشرب على بطوننا، و هو الكرع، و نهانا أن نغترف باليد الواحدة و قال: «لا يلغ أحدكم كما يلغ الكلب، و لا يشرب باللّيل من إناء حتّى يختبره إلّا أن يكون مخمّرا» [1].
و حديث البخاري أصح من هذا، و إن صحّ، فلا تعارض بينهما، إذ لعل الشرب باليد لم يكن يمكن حينئذ، فقال: و إلا كرعنا، و الشرب بالفم إنما يضر إذا انكب الشارب على وجهه و بطنه، كالذي يشرب من النهر و الغدير، فأما إذا شرب منتصبا بفمه من حوض مرتفع و نحوه، فلا فرق بين أن يشرب بيده أو بفمه.
فصل
و كان من هديه الشرب قاعدا، هذا كان هديه المعتاد، و صحّ عنه أنه نهى عن الشّرب قائما، و صح عنه أنه أمر الذي شرب قائما أن يستقي، و صح عنه أنه شرب قائما.
قالت طائفة: هذا ناسخ للنهي، و قالت طائفة: بل مبين أن النهي ليس للتحريم، بل للإرشاد و ترك الأولى، و قالت طائفة: لا تعارض بينهما أصلا، فإنه إنما شرب قائما للحاجة، فإنه جاء إلى زمزم، و هم يستقون منها، فاستقى فناولوه الدلو، فشرب و هو قائم، و هذا كان موضع حاجة.
و للشرب قائما آفات عديدة منها: أنه لا يحصل به الرّي التام، و لا يستقرّ في