نام کتاب : الطب النبوي نویسنده : ابن قيّم الجوزية جلد : 1 صفحه : 119
و أخذ الجبابرة منهم القيام، فيقوم الأحرار و العبيد على رءوسهم عبودية لهم، و هم جلوس، و قد نهى رسول اللّه (صلى اللّه عليه و سلم) عن هذه الأمور الثلاثة على التفصيل، فتعاطيها مخالفة صريحة له، فنهى عن السجود لغير اللّه و قال: «لا ينبغي لأحد أن يسجد لأحد». و أنكر على معاذ لما سجد له و قال: «مه» [1]. و تحريم هذا معلوم من دينه بالضرورة، و تجويز من جوّزه لغير اللّه مراغمة للّه و رسوله، و هو من أبلغ أنواع العبودية، فإذا جوّز هذا المشرك هذا النوع للبشر، فقد جوّز العبودية لغير اللّه، و قد صح أنه قيل له: الرّجل يلقى أخاه أ ينحني له؟ قال: «لا». قيل أ يلتزمه و يقلّه قال:
و أيضا: فالانحناء عند التحية سجود، و منه قوله تعالى: وَ ادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً[3] أي منحنين، و إلا فلا يمكن الدخول على الجباه، و صحّ عنه النهي عن القيام، و هو جالس، كما تعظم الأعاجم بعضها بعضا، حتى منع من ذلك في الصلاة، و أمرهم إذا صلى جالسا أن يصلّوا جلوسا، و هم أصحاء لا عذر لهم، لئلا يقوموا على رأسه و هو جالس، مع أن قيامهم للّه، فكيف إذا كان القيام تعظيما و عبودية لغيره سبحانه.
و المقصود: أن النفوس الجاهلة الضالة أسقطت عبودية اللّه سبحانه، و أشركت فيها من تعظمه من الخلق، فسجدت لغير اللّه، و ركعت له، و قامت بين يديه قيام الصلاة، و حلفت بغيره، و نذرت لغيره، و حلقت لغيره، و ذبحت لغيره، و طافت بغير بيته و عظمته بالحب، و الخوف، و الرجاء، و الطاعة، كما يعظّم الخالق، بل أشد، و سوّت من تعبده من المخلوقين بربّ العالمين، و هؤلاء هم المضادون لدعوة الرسل، و هم الذين بربهم يعدلون، و هم الذين يقولون- و هم في النار مع آلهتهم يخصمون- تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعالَمِينَ. [4] و هم الذين قال فيهم وَ مِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْداداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَ الَّذِينَ