مضافا إلى أنّ انتشار الشيعة و نموّهم في إيران و العراق، مع ما كانوا عليه في الحجاز و اليمن، اضطرّهم إلى سلوك طريق الاجتهاد، و ذلك لأنّ تحصيل جواب مسألة عن طريق إرسالها بواسطة الحجّاج أو السعاة قد يطول إلى سنة، بحيث قد لا يبقى موضوع للسؤال و ينتفي مورده.
الثاني:
إنّ الاختناق الحاكم آنذاك كان يحول دون أن يظهر الإمام (عليه السّلام) الحقّ لأوّل وهلة، أو يرشدهم- كما هو حقّه- لما هو الواقع، و لو من جهة حفظ شيعته و صونهم من مخالب الطغمة الحاكمة، ممّا يضطرّه إلى صبّ الجواب و بيانه ضمن قالب التقيّة، و الشاهد على ذلك الروايات المستفيضة في أبواب متفرّقة من الفقه، الّتي ثبت اليوم صدورها عن تقيّة، مثل ما:
عن زرارة بن أعين، عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال: سألته عن مسألة فأجابني، ثم جاءه رجل فسأله عنها فأجابه بخلاف ما أجابني، ثمّ جاء رجل آخر فأجابه بخلاف ما أجابني و أجاب صاحبي، فلمّا خرج الرجلان قلت: يا ابن رسول اللّه! رجلان من أهل العراق من شيعتكم قدما يسألان فأجبت كلّ واحد منهما بغير ما أجبت به صاحبه؟ فقال: «يا زرارة! إنّ هذا خير لنا، و أبقى لنا و لكم، و لو اجتمعتم على أمر واحد لصدّقكم الناس علينا و لكان أقلّ لبقائنا و بقائكم».
قال: ثمّ قلت لأبي عبد اللّه (عليه السّلام): شيعتكم لو حملتموهم على الأسنّة أو على النار لمضوا و هم يخرجون من عندكم مختلفين [1].
و نقل الشيخ المفيد (رحمه اللّه) و غيره- ما حاصله-: أنّ علي بن يقطين كتب إلى أبي الحسن موسى (عليه السّلام): جعلت فداك، إنّ أصحابنا قد اختلفوا في مسح الرجلين، فإن