الحمد للّه ربّ العالمين، و صلّى اللّه على سيّدنا محمّد و آله الطاهرين، و لعنة اللّه على أعدائهم إلى يوم الدين.
و بعد:
إنّ من المعلوم لمن يرى أنّ سعادته الدنيويّة و الاخرويّة إنّما تتأتّى في اتّباعه للرسالة النبويّة و الشريعة المحمديّة، لا بدّ له- لتحصيل هذا الهدف المقدّس- من توخّي الطرق و الخطوط الّتي سنّها الشارع المقدّس لكلّ شئون الحياة- الفرديّة منها أو الاجتماعيّة- و على ضوئها يكون عمله و تحرّكه.
و من البديهي- بمكان- أنّ الحرمان من صاحب الشريعة، و أهل بيته الكرام (عليهم السّلام)،- الّذين هم الامتداد الطبيعي لرسالة السماء و سننها- و عدم إمكان الوصول إلى أحكامهم و سننهم- الّتي فيها خير الدارين- مع البون الزماني الواسع، و تلاعب أيدي المبدعين و المغرضين .. و أسباب اخرى كثيرة، توجب- و لا شكّ- كثيرا من التعقيدات و الالتواءات في تحصيل المراد الجدّي للشارع المقدّس.
و من هنا يعلم الحاجة الملحّة لتدوين هذه القوانين و السنن، و تنظيم مثل هذه الأحكام و المباني- الّتي يعبّر عنها اصطلاحا ب: الفقه- إلى مجموعة من العلوم و الفنون؛ لكي تأخذ بيدنا و ترشدنا إلى تلك الأحكام و القوانين، و تضمن لنا صحّتها و دقّتها و إتقانها، و هي الّتي يطلق عليها اصطلاحا ب: علم الاصول.
و لذا نجد غير واحد من المعاصرين قد نزّل هذا العلم- أي علم الاصول- من علم الفقه بمنزلة علم المنطق بالنسبة إلى الفلسفة.