نام کتاب : الحيوان نویسنده : الجاحظ جلد : 6 صفحه : 515
الأسد إذا أخذ الشّاة و لم تتابعه، و لم تعنه على نفسها، فربما اضطرّ الأسد إلى أن يجرّها إلى عرينه. و إذا أخذها الذئب عدت معه حتّى لا يكون عليه فيها مئونة، و هو إنما يريد أن ينحّيها[1]عن الراعي و الكلب، و إن لم يكن في ذلك الوقت هناك كلب و لا راع، فيرى أن يجري على عادته.
و كذلك الدّجاج إذا كنّ وقّعا على أغصان الشّجر، أو على الرّفوف، فلو مرّ تحتها كلّ كلب. و كلّ سنّور، و كلّ ثعلب، و كلّ شيء يطالبها، فإذا مرّ ابن آوى بقربها لم يبق منها واحدة إلاّ رمت بنفسها إليه[2]. لأنّ الذّئب هو المقصود به إلى طباع الشاة، و كذلك شأن ابن آوى و الدّجاج، يخيّل إليها أن ذلك مما ينفع عنده.
و للجبن تفعل كلّ هذا.
و لمثل هذه العلّة نزل المنهزم عن فرسه الجواد؛ ليحضر ببدنه، يظنّ اجتهاده أنجى له، و أنّه إذا كان على ظهر الفرس أقلّ كدّا، و أنّ ذلك أقرب له إلى الهلاك.
و لمثل هذه العلّة يتشبّث الغريق بمن أراد إنقاذه حتّى يغرقه نفسه، و هما قبل ذلك قد سمعا بحال الغريق و المنهزم، و أنّهما إنّما هما في ذلك كالرجل المعافى الذي يتعجّب ممن يشرب الدّواء من يد أعلم النّاس به، فإن أصابته شقيقة، أو لسعة عقرب، أو اشتكى خاصرته، أو أصابه حصر أو أسر[3]شرب الدّواء من يد أجهل الخليقة، أو جمع بين دواءين متضادّين.
فالأشياء التي تعلم أنّ سلاحها في أذنابها و مآخرها الزّنبور و الثّعلب و العقرب و الحبارى، و الظّربان، و سيقع هذا الباب في موضعه إن شاء اللّه تعالى.
و ليس شيء من صنف الحيوان أردأ حيلة عند معاينة العدوّ من الغنم؛ لأنها في الأصل موصولة بكفايات النّاس، فأسندت إليهم في كل أمر يصيبها، و لو لا ذلك لخرّجت لها الحاجة ضروبا من الأبواب التي تعينها. فإذا لم يكن لها سلاح و لا حيلة، و لم تكن ممن يستطيع الانسياب إلى جحره أو صدع صخرة، أو في ذروة جبل.
كانت مثل الدّجاجة، فإنّ أكثر ما عندها من الحيلة إذا كانت على الأرض أن ترتفع إلى رفّ. و ربّما كانت في الأرض، فإذا دنا المغرب فزعت إلى ذلك.