نام کتاب : الحيوان نویسنده : الجاحظ جلد : 3 صفحه : 258
الخفافيش بولدها و من خوفها عليه، أنها تحمله تحت جناحها، و ربّما قبضت عليه بفيها، و ربّما أرضعته و هي تطير، و تقوى من ذلك، و يقوى ولدها على ما لا يقوى عليه الحمام و الشّاهمرك، و سباع الطير.
937-[معارف في الخفاش]
و قال معمر أبو الأشعث: ربّما أتأمت الخفافيش فتحمل معها الولدين جميعا، فإن عظما عاقبت بينهما.
و الخفّاش من الطير، و ليس له منقار مخروط، و له فم فيما بين مناسر السّباع و أفواه البوم. و فيه أسنان حداد صلاب مرصوفة من أطراف الحنك، إلى أصول الفك، إلاّ ما كان في نفس الخطم.
و إذا قبضت على الفرخ و عضت عليه لتطير به، عرفت ذرب أسنانها[1]، فعرفت أي نوع ينبغي أن يكون ذلك العض، فتجعله أزما و لا تجعله عضّا و لا تنييبا و لا ضغما، كما تفعل الهرّة بولدها، فإنّها مع ذرب أنيابها، و حدّة أظفارها و دقّتها، لا تخدش لها جلدا، إلا أنها تمسكها ضربا من الإمساك، و تأزم عليها ضربا من الأزم قد عرفته.
و لكل شيء حدّ به يصلح، و بمجاوزته و التقصير دونه يفسد.
و قد نرى الطّائر يغوص في الماء نهاره، ثم يخرج منه كالشّعرة سللها من العيجن، غير مبتلّ الرّيش، و لا لثق الجناحين. و لو أنّ أرفق الناس رفقا، راهن على أن يغمس طائرا منها في الماء غمسة واحدة ثمّ خلّى سربه ليكون هو الخارج منه، لخرج و هو متعجّن الريش، مفسد النظم، منقوض التأليف. و لكان أجود ما يكون طيرانا أن يكون كالجادف. فهذا أيضا من أعاجيب الخفاش.
938-[من أعاجيب الخفافيش]
و من أعاجيبها تركها ذرى الجبال و بسيط الفيافي، و أقلاب النخل، و أعالي الأغصان، و دغل الغياض و الرياض، و صدوع الصّخر، و جزائر البحر، و مجيئها تطلب مساكن الناس و قربهم، ثم إذا صارت إلى بيوتهم و قربهم، قصدت إلى أرفع مكان و أحصنه، و إلى أبعد المواضع من مواضع الاجتياز، و أعرض الحوائج.