نام کتاب : الحيوان نویسنده : الجاحظ جلد : 3 صفحه : 177
و ذلك الهواء المحيط بهما، و تلك الرّيح المتحرّكة. و إن زعموا أن تلك الضّفادع كانت في السّحاب، فالذي أقرّوا به أعجب من الذي أنكروه. و إنما تقيم الضّفادع و تتربّى و تتوالد في مناقع المياه، في أرض تلاقي ماء. و السّحاب لا يوصف بهذه الصفة. قد نجد الماء يزيد في دجلة و الفرات فتنزّ البطون و الحفائر التي تليها من الأرض، فيخلق من ذلك الماء السّمك الكثير، و لم يكن في تلك الحفائر الحدث[1]، و لا في بحر تلك الأرضين شيء من بيض السّمك.
و لم نجد أهل القاطول[2]يشكّون في أنّ الفأر تخلّق من أرضهم، و أنّهم ربّما أبصروا الفأرة من قبل أن يتم خلقها. فنسبوا بأجمعهم خلق الفأر إلى الذكر و الأنثى، و إلى بعض المياه و التّرب و الأجواء و الزمان، كما قالوا في السمك، و الضّفادع، و العقارب.
813-[ضعف اطراد القياس و الرأي في الأمور الطبيعية]
فإن قاس ذلك قائس فقال: ليس بين الذّبّان و بنات وردان و بين الزّنابير فرق، و لا بين الزّنابير و الدّبر و الخنافس فرق، و لا بين الزّرازير و الخفافيش و لا بين العصافير و الزّرازير فرق فإذا فرغوا من خشاش الأرض صاروا إلى بغاثها ثم إلى أحرارها، ثم إلى الطواويس و التدارج[3]و الزمامج[4]حتى يصعدوا إلى الناس. قيل لهم: ليس ذلك كذلك، و ينبغي لكم بديّا أن تعرفوا الطّبيعة و العادة، و الطبيعة الغريبة من الطبيعة العامّية، و الممكن من الممتنع، و أنّ الممكن على ضربين: فمنه الذي لا يزال يكون، و منه الذي لا يكاد يكون، و ما علة الكثرة و القلة، و تعرفوا أنّ الممتنع أيضا على ضربين: فمنه ما يكون لعلة موضوعة يجوز دفعها، و ما كان منه لعلة لا يجوز دفعها، و فصل ما بين العلة التي لا يجوز دفعها و هي على كل حال علة، و بين الامتناع الذي لا علة له إلاّ عين الشيء و جنسه.
و ينبغي أن تعرفوا فرق ما بين المحال و الممتنع، و ما يستحيل كونه من اللّه عزّ و جلّ؛ و ما يستحيل كونه من الخلق.