نام کتاب : الحيوان نویسنده : الجاحظ جلد : 3 صفحه : 160
يغمز، و لم يخدش. و إنّما هو على قدر منافرة الطّباع للطباع، و على قدر القرابة و المشاكلة.
786-[الأصوات المكروهة]
و قد نجد الإنسان يغتمّ بتنقّض[1]الفتيلة و صوتها عند قرب انطفاء النار، أو لبعض البلل يكون قد خالط الفتيلة، و لا يكون الصّوت بالشّديد، و لكنّ الاغتمام به، و التكرّه له و يكون في مقدار ما يعتريه من أشدّ الأصوات. و من ذلك المكروه الذي يدخل على الإنسان من غطيط النّائم، و ليست تلك الكراهة لعلّة الشّدّة و الصّلابة، و لكن من قبل الصّورة و المقدار، و إن لم يكن من قبل الجنس. و كذلك صوت احتكاك الآجرّ الجديد بعضه ببعض. و كذلك شجر الآجام[2]على الأجراف[3]؛ فإنّ النّفس تكرهه كما تكره صوت الصّاعقة. و لو كان على ثقة من السّلامة من الاحتراق، لما احتفل بالصّاعقة ذلك الاحتفال. و لعلّ ذلك الصّوت وحده ألاّ يقتله.
فأمّا الذي نشاهد اليوم الأمر عليه، فإنّه متى قرب منه قتله. و لعلّ ذلك إنّما هو لأنّ الشّىء إذا اشتدّ صدمه فسخ القوّة أو لعلّ الهواء الذي فيه الإنسان و المحيط به أن يحمى و يستحيل نارا للذي قد شارك ذلك الصّوت من النّار. و هم لم يجدوا الصّوت شديدا جدّا إلاّ ما خالط منه النّار.
787-[ما يقتات بالذّباب]
و قال ابن حرب: الذّبّان قوت خلق كثير من خلق اللّه عزّ و جلّ، و هو قوت الفراريج، و الخفافيش، و العنكبوت، و الخلد، و ضروب كثيرة من الهمج، همج الطير، و حشرات السّباع. فأمّا الطّير و السّودانيّات، و الحصانيّات[4]، و الشاهمركات[5]، و غير ذلك من أصناف الطّير؛ و أمّا الضّباع-فإنّها تأكل الجيف، و تدع في أفواهها فضولا، و تفتح أفواهها للذّبّان، فإذا احتشت ضمّت عليها. فهذه إنّما تصيد الذّبّان بنوع واحد، و هو الاختطاف و الاختلاس، و إعجالها عن الوثوب إذا تلقّطته بأطراف المناقير، أو كبعض ما ذكرنا من إطباق الفم عليها.