قال: و الطّير لا تلغ، و إنما يلغ الذباب. و جعله من الطّير، و هو و إن كان يطير فليس ذلك من أسمائه. فإذ قد جاز أن يستعير له اسم الطائر، جاز أن يستعير للطير ولغ السّباع فيجعل حسوها ولغا، و قال الشاعر: [من الطويل]
سراع إلى ولغ الدماء رماحهم # و في الحرب و الهيجاء أسد ضراغم
770-[خصلتان محمودتان في الذباب]
قال و في الذباب خصلتان من الخصال المحمودة:
أمّا إحداهما: فقرب الحيلة لصرف أذاها و دفع مكروهها؛ فمن أراد إخراجها من البيت فليس بينه و بين أن يكون البيت على المقدار الأوّل من الضّياء و الكنّ بعد إخراجها مع السّلامة من التأذي بالذبان-إلاّ أن يغلق الباب، فإنّهنّ يتبادرن إلى الخروج، و يتسابقن في طلب الضوء و الهرب من الظلمة، فإذا أرخي السّتر و فتح الباب عاد الضّوء و سلم أهله من مكروه الذباب، فإن كان في الباب شقّ، و إلاّ جافى المغلق أحد البابين عن صاحبه و لم يطبقه عليه إطباقا. و ربّما خرجن من الفتح الذي يكون بين أسفل الباب و العتبة. و الحيلة في إخراجها و السّلامة من أذاها يسيرة، و ليس كذلك البعوض؛ لأنّ البعوض إنما يشتدّ أذاه، و يقوى سلطانه، و يشتدّ كلبه في الظلمة، كما يقوى سلطان الذبان في الضياء، و ليس يمكن النّاس أن يدخلوا منازلهم من الضّياء ما يمنع عمل البعوض؛ لأنّ ذلك لا يكون إلاّ بإدخال الشّمس، و البعوض لا يكون إلاّ في الصّيف، و شمس الصّيف لا صبر عليها. و ليس في الأرض ضياء انفصل من الشمس إلاّ و معه نصيبه من الحرّ، و قد يفارق الحرّ الضياء في بعض المواضع، و الضّياء لا يفارق الحرّ في مكان من الأماكن.
فإمكان الحيلة في الذباب يسير، و في البعوض عسير! و الفضيلة الأخرى: أنه لو لا أن الذّبابة تأكل البعوضة و تطلبها و تلتمسها على وجوه حيطان البيوت، و في الزوايا، لما كان لأهلها فيها قرار! [1]ديوان أبي زبيد 640، و طبقات ابن سلام 516، و الحماسة الشجرية 273، و الأول بلا نسبة في اللسان و التاج (عكف) .
[2]في ديوانه (ولغ السبع و الكلب: شرب بطرف لسانه، و نهس اللحم: قبض عليه بمنسره) . ـ
نام کتاب : الحيوان نویسنده : الجاحظ جلد : 3 صفحه : 153