نام کتاب : الحيوان نویسنده : الجاحظ جلد : 3 صفحه : 105
ذا التّجربة و المعرفة اللّطيفة، و كيف تسخو أنفسهم بالجعالة الرّفيعة، و كيف يختارون لحملها من رجال الأمانة و الجلد و الشّفقة و البصر و حسن المعرفة-لعلم عند ذلك صاحب الدّيك و الكلب أنّهما لا يجريان في هذه الحلبة، و لا يتعاطيان هذه الفضيلة.
687-[خصائص الحمام]
قال: و للحمام من حسن الاهتداء، و جودة الاستدلال، و ثبات الحفظ و الذّكر، و قوّة النّزاع إلى أربابه، و الإلف لوطنه، ما ليس لشيء. و كفاك اهتداء و نزاعا أن يكون طائر من بهائم الطير، يجيء من برغمة، لا بل من العليق، أو من خرشنة[1]أو من الصفصاف[2]، لا بل من البغراس[3]، و من لؤلؤة[4].
ثمّ الدّليل على أنّه يستدلّ بالعقل و المعرفة، و الفكرة و العناية أنّه إنما يجيء من الغاية على تدريج و تدريب و تنزيل. و الدليل على علم أربابه بأنّ تلك المقدّمات قد نجعن فيه، و عملن في طباعه، أنّه إذا بلغ الرّقّة غمّروا به بكرّة إلى الدّرب و ما فوق الدّرب من بلاد الرّوم، بل لا يجعلون ذلك تغميرا؛ لمكان المقدمات و الترتيبات التي قد عملت فيه و حذّقته و مرّنته.
و لو كان الحمام ممّا يرسل باللّيل، لكان ممّا يستدلّ بالنّجوم؛ لأنّا رأيناه يلزم بطن الفرات، أو بطن دجلة، أو بطون الأودية التي قد مرّ بها، و هو يرى و يبصر و يفهم انحدار الماء. و يعلم بعد طول الجولان و بعد الزّجال، إذا هو أشرف على الفرات أو دجلة، أنّ طريقه و طريق الماء واحد، و أنه ينبغي أن ينحدر معه.
و ما أكثر ما يستدلّ بالجواد من الطّرق إذا أعيته بطون الأودية. فإذا لم يدر أ مصعد أم منحدر، تعرّف ذلك بالرّيح، و مواضع قرص الشمس في السماء. و إنّما يحتاج إلى ذلك كلّه إذا لم يكن وقع بعد على رسم يعمل عليه فربّما كرّ حين يزجل به يمينا و شمالا، و جنوبا و شمالا، و صبا و دبورا-الفراسخ الكثيرة و فوق الكثيرة.
[1]خرشنة: بلد قرب ملطية من بلاد الروم. معجم البلدان 2/359.
[2]الصفصاف: كورة من ثغر المصيصة، و المصيصة: مدينة على شاطئ جيحان من ثغور الشام بين أنطاكية و بلاد الروم، تقارب مدينة طرسوس معجم البلدان 3/413، 5/145.
[3]بغراس: مدينة في لحف جبل اللكام، بينها و بين أنطاكية أربعة فراسخ، على يمين القاصد إلى أنطاكية من حلب. معجم البلدان 1/467.