نام کتاب : الحيوان نویسنده : الجاحظ جلد : 1 صفحه : 28
سمّيت بأنبه النوعين ذكرا، و بأقواهما. و الفصيح هو الإنسان، و الأعجم كلّ ذي صوت لا يفهم إرادته إلاّ ما كان من جنسه. و لعمري إنا نفهم عن الفرس و الحمار و الكلب و السّنّور و البعير، كثيرا من إرادته و حوائجه و قصوره، كما نفهم إرادة الصبيّ في مهده و نعلم-و هو من جليل العلم-أنّ بكاءه يدلّ على خلاف ما يدلّ عليه ضحكه. و حمحمة الفرس عند رؤية المخلاة، على خلاف ما يدلّ عليه حمحمته عند رؤية الحجر، و دعاء الهرّة الهرّ خلاف دعائها لولدها، و هذا كثير.
و الإنسان فصيح، و إن عبّر عن نفسه بالفارسيّة أو بالهنديّة أو بالروميّة، و ليس العربيّ أسوأ فهما لطمطمة [1] الروميّ من الرومي لبيان لسان العربيّ. فكلّ إنسان من هذا الوجه يقال له فصيح، فإذا قالوا: فصيح و أعجم، فهذا هو التأويل في قولهم أعجم، و إذا قالوا العرب و العجم و لم يلفظوا بفصيح و أعجم، فليس هذا المعنى يريدون، إنّما يعنون أنّه لا يتكلّم بالعربيّة، و أنّ العرب لا تفهم عنه. و قال كثيّر: [من الطويل]
فبورك ما أعطى ابن ليلى بنيّة # و صامت ما أعطى ابن ليلى و ناطقه
و يقال «جاء بما صأى و صمت» [2] . فالصامت مثل الذهب و الفضّة، و قوله صأى يعني الحيوان كلّه، و معناه نطق و سكت؛ فالصامت في كلّ شيء سوى الحيوان.
و وجدنا كون العالم بما فيه حكمة، و وجدنا الحكمة على ضربين: شيء جعل حكمة و هو لا يعقل الحكمة و لا عاقبة الحكمة، و شيء جعل حكمة و هو يعقل الحكمة و عاقبة الحكمة. فاستوى بذاك الشيء العاقل و غير العاقل في جهة الدّلالة على أنّه حكمة؛ و اختلفا من جهة أنّ أحدهما دليل لا يستدلّ، و الآخر دليل يستدل، فكلّ مستدلّ دليل و ليس كلّ دليل مستدلا، فشارك كل حيوان سوى الإنسان، جميع الجماد في الدّلالة، و في عدم الاستدلال، و اجتمع للإنسان أن كان دليلا مستدلاّ.
ثمّ جعل للمستدلّ سبب يدلّ به على وجوه استدلاله، و وجوه ما نتج له الاستدلال، و سمّوا ذلك بيانا.
[1] الطمطمة: العجمة. و رجل طمطم، أي في لسانه عجمة لا يفصح. (اللسان: طمم 12/371) .
[2] مجمع الأمثال 1/279، و المستقصى 2/42، و جمهرة الأمثال 1/320، و الأمثال لابن سلام 187.
نام کتاب : الحيوان نویسنده : الجاحظ جلد : 1 صفحه : 28