الثاني: إذا تساقط الاستصحابان في القلّة أو الكرّية لم يكن أصالة الطهارة نافعة في جواز استعمال الماء في تطهير الخبث فيحكم بطهارة الماء و بقاء نجاسة ذلك الخبث كما قاله السيد في العروة، و ذلك لأنّ الطهارة الناشئة من الشكّ في تنجّس الماء بسبب إلقاء النجس فيه في الرتبة المتأخّرة عن ملاقاة المتنجّس، و موضوعها عين الشكّ في الانفعال الحاصل من ملاقاة القذر، و لا يعقل تأثير الحكم في رفع سبب موضوع نفسه، أعني الانفعال المحتمل عند ملاقاة المتنجّس، فلا يصلح أن يصير موضوعا لطهارة ذلك المتنجّس إلّا على القول بالأصل المثبت و في إيقاع كلّ متنجّس فيه هذا التقرير. اللّهمّ إلّا أن يجعل المطهّر ما لا ينفعل بانغسال النجس فيه لا المعتصم في نفسه، و هو ممنوع.
لو شهدت بيّنة بنجاسة إناء و شهدت أخرى بطهارته و نجاسة إناء آخر، قد يقال بلزوم الاجتناب عنهما، من جهة اتّفاقهما على وجود النجاسة في البين و الاختلاف إنّما هو في الخصوصية، و قد ردّه الاستاد (دام ظلّه) العالي بأنّ هذا مبنيّ على عدم تبعيّة الدلالة الالتزامية للمطابقيّة فإنّ كلّ بيّنة تخبر عن نجاسة إناء مشخّص و لا تخبر عن مطلق النجاسة.
أقول: المستفاد من كلامه أنّه بناء على عدم التبعيّة ينحلّ أخبار كلّ واحدة إلى الأخبار بوجود مطلق النجاسة و الأخبار عن تعلّقها بالإناء الخاص، و التعارض راجعة إلى الجهة الثانية لا الأولى، فبعد التساقط يؤخذ بالجهة الأولى و هو وجود النجاسة في البين، لتوافقهما فيه بالدلالة الالتزاميّة.