المستقلّات في مثل قبح الظلم، و حسن الإحسان فلعلّه من جهة اقتصار نظرهم إلى جزئيّات عنوانه الكلّي التي لا يستقلّ بها العقل، كشمّ الورد و أكل الفاكهة و غيرها من جزئيّاته التي لا يستقلّ العقل بإباحتها من حيث الخصوص، و إلّا فإباحة عنوانها الكلّي و هو الشيء النافع الخالي عن أمارة المضرّة ممّا يستقلّ بإباحته العقل من غير وساطة خطاب الشرع.
و من هنا يظهر لك الوجه في نزاع الفقهاء في وجوب جزئيّات مقدّمة الواجب مع أنّ وجوب عنوانها الكلّي من مستقلّات العقل التي لا يتوقّف على واسطة خطاب الشرع.
و لكن فرض أصالة الإباحة من مستقلّات العقل، أو من الأدلّة الاجتهادية التي أمضاها الشارع بقوله: قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبادِهِ وَ الطَّيِّباتِ مِنَ الرِّزْقِ[1] إنّما يتأتّى في الإباحة العقلية المخصوص موردها بالأشياء النافعة الخالية عن أمارة المضرّة، و أمّا الإباحة الشرعية التي يعمّ موردها الأشياء النافعة كشمّ الطيب، و الغير النافعة كشرب التتن بعموم قوله (عليه السلام): «كلّ شيء مطلق حتى يرد فيه نهي» [2] و «كلّ شيء فيه حلال و حرام فهو لك حلال حتى تعلم الحرام بعينه» [3]. فلا مخلص عن لزوم ذكرها في عداد الاصول.
و لا اعتذار للمصنّف عن إهمالها، ضرورة عدم ناظريتها إلى الواقع حتى يخرج عن تحت مجرى الاصول، و عدم رجوعها إلى البراءة حتى يكتفى بذكر البراءة عنها، ضرورة أنّ مضمون أدلّة البراءة من قبح العقاب بلا بيان، و «رفع عن