و إن أغمضنا عن أخبار التخيير؛ لأنّ ظهور المطلق ليس وضعيّا بل من باب دليل الحكمة و قبح تأخير البيان، فهو لا يجري في مثل المقام من ورود المقيّد المبتلى بمثله، فيختص بما لم يرد شيء أصلا، فتدبّر، فلا يثمر وجود مثل هذا المطلق؛ إذ المرجع- بعد طرح الخبرين- الأصول العمليّة، نعم بناء على كون العمل به من باب الأصل التعبدي و هو أصل عدم التقييد يمكن الرجوع إليه، لكن يمكن أن يقال: حاله حينئذ حال الأصول العمليّة، فتأمّل.
ثمّ على فرض الرجوع إلى المطلق إنّما يتم هذا فيما فرضه من كون أحد الخبرين مطابقا له، و أمّا فيما فرضنا من كون كلّ منهما مخالفا له أو للعموم و مع العلم الإجمالي في أحدهما بعدم حقيّته فيشكل من جهة أنّه إذا علم بورود أحد المخصصين أو المقيدين و لا يدرى المعين فمع عدم التخيير لا يمكن العمل بالعموم و الإطلاق، فلا بدّ من الحكم بالتخيير و إن لم يشمله أخباره من باب حكم العقل إذا فرضنا مناقضتهما للعام أو المطلق، مثل قوله يجب إكرام العلماء و قوله [1] يحرم إكرام زيد و يحرم إكرام عمر، و مع العلم الإجمالي بكذب أحدهما فيلزم ما ذكره في هذا الفرض العدول عن أخبار التخيير إلى حكم العقل به، إلا أن يقال إنّ مجرّد وجود المطلق و العام لا يوجب الانصراف، بل فيما أمكن الرجوع إليه مثل هذا الفرض يلزم بشمول الأخبار.
و كيف كان فالحق ما ذكرنا من عدم الانصراف و عدم الفرق بين التخيير العملي و الأخذي بناء على عدم كون المطلق مرجّحا أو فرضنا كون كل منهما مخالفا له، و لكن سيجيء- إن شاء اللّه- أنّ المطلق مرجح فيختص الكلام بالصورة الثانية، و لعلّ الشيخ أيضا لا يقول في هذه الصورة بما ذكر لما ذكر [2]، فتدبّر جيدا.
السادس: [بعد الحكم بالتخيير قد يكون أحد الخبرين كافيا]
لا يخفى أنّه بعد الحكم بالتخيير قد يكون أحد الخبرين كافيا في حكم المسألة، و لا يحتاج إلى مئونة شيء آخر من أصل أو دليل، كما إذا قال أكرم زيدا لا تكرم زيدا فإنّه مع أخذ الأول و اختياره يحكم بالوجوب و مع اختيار الثاني يحكم