و قد عرفت أنّه محط كلام صاحب الغوالي، و أنّ الحق فيه هو الجمع مع الإمكان العرفي، و الإمكان بشاهد و عدمه في غيرهما، فلنا دعويان:
أمّا الأولى؛ و هو الجمع في الصورتين: فيدل عليه فيما إذا أمكن عرفا بأن كان أحدهما نصا أو أظهر- مضافا إلى إمكان دعوى الإجماع عليه كما ادعاه صاحب الغوالي، و سيرة العلماء، و الأصحاب كما لا يخفى على المتتبع في عملهم في الفروع، و إلى بعض الأخبار مثل قولهم (عليهم السلام) «في أخبارنا محكما و متشابها فردوا متشابهها إلى محكمها» [2]، فإنّ العامّ و إن كان ظاهرا من حيث هو إلّا أنّه في مقابل الخاص يعدّ من المتشابه، كقوله (عليه السلام) «أمر النبي (صلى اللّه عليه و آله) مثل القرآن منه ناسخ و منسوخ، و عام و خاص، محكم و متشابه» [3]، و قد كان [4] يكون من رسول اللّه كلام يكون له وجهان و كلام عامّ و كلام خاص مثل القرآن، و كقوله «أنتم أفقه الناس إذا عرفتم معاني كلامنا» [5]، و غير ذلك ممّا يظهر منه وجوب إرجاع بعض الأخبار إلى بعض، مثل قوله (عليه السلام) «إنّ أخبارنا يفسر بعضها بعضا» [6]- إنّ الأصل في الخبرين الإعمال بمقتضى أدلّة الاعتبار؛ لأنّها عامّة لكل خبر، فلا بدّ من الحكم بصدور الخبرين، و حينئذ يكون أحدهما قرينة على الآخر في نظر العرف، فلا يعدونهما بعد ذلك من المتعارضين، و إن كانا منهما في أول النظر.
و من ذلك يظهر عدم شمول الأخبار الآمرة بالرجوع إلى المرجحات للمقام، فإنّ منصرفها كما لا يخفى هو صورة التحير على فرض قطعيّة صدورها [7]، و لا حيرة مع كون أحدهما نصا أو أظهر، كما فيما إذا كانا قطعيين، و السرّ في ذلك أنّ التعارض-
[1] في النسخة كتب: المبحث، و حفاظا على التناسب بينه و الأول رسمناه «البحث».
[2] وسائل الشيعة: 27/ الباب 9 من أبواب صفات القاضي، حديث 22.
[3] شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 3/ 591 خطبة رقم 203.